الزريجية لؤلوة السماوة المنسية

عمار العامري

Ammaryasir76@yahoo.com

لا ادري احمل التاريخ أم احمل المؤرخين التقصير أو التجاهل الكبير للحقائق والمواقف التي مرت عبر تاريخ العراق الحديث على وجه الخصوص فأجد أن المصريين لم يتركوا شاردة ولا واردة ألا وأرخوها ولكن في العراق فالحالة معكوسة بسبب سياسات البعث الحاقدة فقد تجاهل الكثير من البطولات والمفاخر التي لا تقل أهمية على ما حدث في مناطق أخرى بل أكثر اثر واعظم فخر في التاريخ الحديث وخير مثال هو تحريف الدور الكبير لعشائر بني حجيم وأهالي السماوة والرميثة والخضر في تفجير ثورة العشرين الكبرى وأيضا أبعاد الأنظار عن جمة من الثورات والانتفاضات التي قصد إذناب عفلق تهميشها.

ومن تلك المفاخر منطقة الزريجية وما فيها من مراحل ذي تأثير جلي ووضعت البصمات الناصعة على صفحات التاريخ المشرق والتي لم أجد من يذكرها سوى المرور على مخفر الزريجية الذي انشاءته الحكومة البريطانية بالتعاون مع الملكية الحاكمة آنذاك بعد اندلاع انتفاضات الشعب العراقي عوام(1935 -1936 -1937) ويعتبر من رموز القهر والظلم اتجاه أبناء تلك العشائر الثائرة.

لهذا السبب عقدت العزم على إن أعيد لذاكرة التاريخ شيء من مفاخره هي ((الزريجية)) الناحية التي تغير اسمها فيما بعد حيث سميت (حوض السوير تارة وأخرى السوير) والتي تقع على بعد 12 كم شرق مدينة السماوة على أيسر نهر الفرات والروايات كثير في أسباب التسميات فسميت الزريجية أخذت من الرواية التي تفيد بان هذه الأراضي كانت مخمورة بالمياه وإنها بحيرة كبيرة أطلق عليها الزريجية وقد جفت بعد ذلك واشتهرت بشكل كبير عندما دارت عليها رحى المعركة الحامية عام 1900 والتي تصدع على أثرها النظام القبلي لقبيلة بني حجيم وأصبحت بعد ذلك كل عشيرة قائمة بذاتها وأزيلت وصاية آل محسن الزعامة التنفيذية لإمارة المنتفك على بني حجيم أما اسمي السوير وحوض السوير جاءا من نهر السوير الذي يمر شمال الناحية والمرتبط بـ(واقعة السوير)إحدى المعارك البارزة أثناء اندلاع ثورة العشرين ،وكلمة الحوض أخذت باعتبار الأرض واقعة بين نهري الفرات والسوير فشبهت بالحوض.

ومنذ ذلك الوقت والزريجية يسكنها خمس عشائر من كبرى قبيلة بني حجيم ونتطرق لها حسب الرقعة الجغرافية للزريجية وهي عشيرة آل عبس:وتشمل أل حجيل والمؤمنين والبو دويسة وال فليح والبو جيرب واليونس والثانية عشيرة البَركات:وتشمل المحرجين وال وسيجة وال عكاب والحشيش وال أزيره ومطوك والثالثة عشيرة آل غانم:وتشمل البو محمد والبو وحيد والكيظيين والخنان والاخرتين هما عشرتي العطاوة والبو جراد.

والزريجية طيلة هذه الفترة تابعة لناحية الخناق التابعة بدورها للسماوة إحدى أقضية لواء الديوانية قبل التغيير الإداري الذي أصبحت بمؤجبه ناحية السوير رسميا بدل الزريجية بتاريخ 1/10/1969 والزريجية تحاددها مدينة السماوة غربا وناحية الوركاء شمالا وقضاء الخضر شرقا ونهر الفرات جنوبا حيث تبلغ مساحتها حوالي 11000 دونم ويقدر تعداد سكانها بـ 55000 ألف نسمة حسب أخر التقديرات.

كان اغلب سكانها يمتهنون الزراعة والرعي أما اليوم وما يشهده العراق من حراك عملي راح اغلب السكان نحو الإعمال الحرة أو التوظيف الحكومي غير أن وجود معمل طابوق الزريجية سابقا كان له الدور الكبير في استقطاب اغلب الأيدي العاملة في الناحية ولكن بعد تحويله إلى قطاع خاص بات لا يساهم بشكل واضح في اقتصاد السكان المحليين.

ومن تاريخ الزريجية منذ تأسيسها كان لأبناء العشائر القاطنة فيها الدور الكبير في معظم الإحداث التي تعتبر انبثاق تاريخ العراق المعاصر فقد شارك عدد من شباب هذه العشائر في مواجهة الاحتلال البريطاني خاصة معارك الشعيبة عام 1914-1917 وتوجت أيضا في المشاركة المشهودة في معارك ثورة العشرين الذي تميز فيها الثوار بقطعهم الطريق أمام البواخر الغازية وهناك شاهد وهو البارجة(غرين فلأي)التي جنحت في الطين بسبب بنادق وقذائف الثوار ومازالت أثارها في نهر الفرات مقابل قرية السدرة ضمن حدود عشيرة البَركات وكذلك الدور المشرف في معركة السوير التي قصمت ظهر البعير إثناء الثورة ولم تكن هذه الإحداث نهاية المصاف لدور عشائر الزريجية في الإحداث السياسية في العراق فقد شهد منتصف عقد الثلاثينيات انتفاضة الشيخ ناهي أل حمادي المعروف(أبو مزيهر) بسبب السياسات التعسفية التي قامت فيها القوات المحتلة وعملائها ضد أبناء العراق من قبيل فرض التجنيد الإلزامي على الشباب والضريبة المفروضة على الغلاة المعروفة(بالكََودة) مما أدى بالقوات الغازية بالرد القاسي والمسنود بالطائرات الحربية ودارت معركة شرسة بين الثوار والمحتلين في موقع (أيشان أبو كطان) احد المناطق الأثرية في السماوة وعرفت فيما بعد معركة (الأيشان) وضربت الطائرات السكان الأبرياء الذين لجوء إلى مقام السيد الجليل (السيد ناصر الياسري المعروف بالعريس أو أخو مريم) والمعروف بكراماته العظيمة وتقصده الزوار من شتى الأماكن لتقديم النذور وطلب الحاجة والمراد وهو يبعد عن مركز الناحية حوالي 100 م شرقا يقوم بخدمته فخذ الكوام احد افخاذ عشيرة العطاوة وعلى اثر تلك الانتفاضات التي استمرت ثلاث سنوات انشاة بريطانيا المخافر العسكري الهدف منها الحد من ثورات العشائر حسب رأي القوات المحتلة وكان منها مخفر الزريجية الذي يذكره الحسني والوردي في كتبهم والمراد منه السيطرة على عشائر البَركات وال عبس كما ذكر،وللأسف تحول هذا المخفر الذي يدلل على شجاعة وبسالة العشائر إلى معتقل لوحشية النظام البعثي ضد عوائل السياسيين المعارضين إذ نفيت إلىه بعض عوائل إل الحكيم وال فرج الله قبيل الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والذي لعب فيها أبناء عشائر الزريجية الدور الكبير وقد أطلقوا سراح المعتقلين وسهلوا لهم الخروج والسفر خارج البلاد وقد قام المجرم إياد خليل محافظ السماوة عام 1995 بإزالة أثاره ونهب مخلفاته من الحديد والطابوق.

إما فترة الحكم الفاشستي ورغم شنه لحملات الاعتقالات والإعدامات التي طالت نخب من المؤمنين وأصحاب الفكر المعارض لسياسته الشعواء وخاصة بسبب إقامة الشعائر الحسينية حيث كان زبانية الغرف المظلمة يتربصون لكل حالة يعتقد أنها مخالف لشريعة عفلق وكان نصيب الزريجية عدد كبير من المجاهدين الذين اعتقلوا أو اعدموا لتلك الأسباب وساعدهم وجود (هور حمد) الواقع ضمن أراضي عشيرة إل غانم في لجوء إعداد من أولائك المجاهدين ألا أن السلطة تخوفا من زلزال برديه وانتفاضة قصبه لجأت إلى تجفيفه وإزالة أثاره وتحويله إلى أراضي جرداء خالية عام 1987رغم اعتباره من المرافق البيئية المهمة في الناحية وكان السبب استخدامه الملاذ الآمن للمعارضين والهاربين من بطش النظام وكان للزريجية الدور الكبير في مساندة مراجع الدين العظام والحوزة العلمية خاصة في التصدي للمد الأحمر والتقدمي القومي آنذاك والذي واجههم بقيادة المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم والمتمثلة في وكلاء المرجعية أمثال الشيخ احمد عبد الحميد السماوي والشيخ الشهيد مهدي السماوي والسيد عمران الياسري الذين لعبوا ادوار مميزة في توعية وإرشاد أبناء العشائر وخصوصا الزريجية.

ومن بين الشخصيات السياسية المعارضة للنظام الصدامي اخص بالذكر المتوفين منهم والذين لعبوا دور كبير في بث روح الإيمان والحماس لدى أبناء العشائر في تصديهم لرحى البعث المقبور المرحوم الحاج ناصر حسين مطعوج (أبو جمال الحجيمي)ابرز المجاهدين الذين سطروا أروع مواقف البطولة والشجاعة خلال حياته التي قضاها في الجهاد والتضحية وترك لنا بصمات خالدة بقيت مآثر للرجال الأشاوس وخصوصا اعتباره احد مساعدي سماحة شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم(قدس)في عمليات الداخل وقد حكم عليه بالإعدام أكثر من مرة واعتقل في زنازين امن بغداد والسماوة والكوت لمواقفه العلنية ضد أزلام الحزب وأشهرها ما حققه من إقناع لمدير عام امن السماوة الذي اعدم على أثرها ذلك المدير واختطافه لمدير امني في السماوة عام 1993 في وقت كان الشخص لا يجرى في بوح بكلام أمام شرطي بسيط وقد قضى نحبه رحمه الله عليه في حزيران عام 2005 مجاهد محتسبا في سبيل الله ولم يعرفه بهذا المقام أبناء عمومته ألا بعد أقامة مجلس الفاتحة على روحة وبحضور ابرز الشخصيات المرموقة على الصعيد الجهادي والسياسي في العراق،أما المجاهد المرحوم الحاج جابر خليوي شريب(أبو رحيم العبساوي)الذي عرف بمواقفه الصلبة بوجه زبانية البعث وحثالة الفرق الحزبية إبان حرب الثمان سنوات وأيام انتفاضة 15 شعبان المباركة عام 1991 ودوره القيادي في احتضان وتوجيه الشباب المؤمن المجاهد في معسكر رفحا في صحراء السعودية وتمثيله لسماحة السيد الشهيد محمد باقر الحكيم في المهجر وقد توفيه على اثر حالة أصلاح ذات البين الذي أقضى حياته في بداية عام 2006على هذا النهج القرآني باعتباره من رجالات الزريجية المحسوبين كذلك في ذاكرة الزريجية رجال سطروا في التاريخ ملاحم مشرفة لا يتجاهلها احد ولكم هم اليوم أحياء يرزقون مستمح إياهم العذر خوف الابتعاد عن هدفي من كتابة هذه السطور وأيضا في الزريجية أسماء ضحت في حياتها دون الإسلام الأبي والوطن العزيز والمذهب المقدس.

والزريجية حالها حال المناطق الأخرى تكونت من مجموعة قرى يعود تأسيسها إلى عشرات السنين ولكنها بقيت خالدة في أذهان ابناها ومن تلك القرى (قرية السدرة)التي انشاءة قبل 150 سنة تقريبا وسميت بهذا الاسم لوجود شجرة السدر مع أول بيت نزل ذلك المكان تقع ضمن حدود عشيرة البَركات على ضفاف الفرات واحة خضراء زاهية بنخيها الشاخص في سجادة الزريجية لكن اسمها تغير وتعرف ألان بقرية (سيد محسن الياسري)وبقيت طيلة هذه العقود تعاني الإهمال والتهميش رغم أنها من قلاع التحدي والبسالة أقيمت فيها ورغم تحديات جواسيس المنظمة مجالس العزاء الحسيني وإحياء ليالي شهر رمضان واحتضانها المواكب الحسينية أبان منعها من سلطة البلقاء سيئة الصيت ولكن بإرادة ابناها وتكاتفهم رغم المحن وكثرة الفتن ألا أن الريح العاصف لم يثني الحسينيين المؤمنين من إقامة الشعائر وفضح أساليب البعث الخسيسة وعملاءه الأوباش ،وهناك (قرية النخيلة) مصغر نخلة مركز منطقة وعشائر الزوية سابقا جاءت تسميتها من أن الأراضي المحاذية لها جرداء من الشجر ألا تلك النخلة التي أصبحت عنوان لحد ألان وتقع ضمن أراضي عشيرة أل عبس،وأيضا (قرية الحديدة) حسب ما يذكر البعض هي مجموعة بيوت عمرت حول حديدة شاخصة ولهذا عرفت بهذا الاسم وهي تقع ضمن أراضي عشيرة أل غانم.

والزريجية بعد سقوط الصنم عام 2003 تسارع أبناءها نحو العمل المرضي لله وفي خدمة الإسلام الكريم فإنشاء الشيخ علي نجل الشهيد الشيخ مهدي السماوي مدرسة أبي الفضل العباس(ع) نواة الحوزة العلمية في السوير كذلك تم أنشاء حوالي 12 جامع وحسينية في إرجاء الناحية فالزريجية هي المنطقة الجميلة التي تمتد بساتينها على طول نهري الفرات والسوير والزائر لهذه البساتين يجد المتعة بين خضرة أراضيها وأثمار أشجار النخيل الشاخصة المعروفة بأنواعه النادرة إلى جانب الواحات الزراعية الخضراء التي يفوح منها أنواع العطور الطيبة بطيبة أبناءها وكرمهم المعروفين فيه والذين تربوا على حسن السير ودماثة الخلق وفقد أنجبت الزريجية خيرت الرجال في شتى المجالات الأدبية والاجتماعية والمواقف المشرفة والمناقب الحسنة والذين وضعوا بصماتهم في مساحات واسعة لما تركوا من ارث ثر لا أجامل آذ كانت الأخلاق والإيمان في مقدمة عطائهم فهكذا هي الزريجية لؤلوة في بحر وبحر في لؤلوة لكن اعتب على التاريخ الذي تناسى هذه الواحة الخضراء في ربيع السماوة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com