الأميتين اللغوية والمعرفية الثقافية، تأثيراتهما والعلاج؟ ..

مشروع ابن رشد لمحو الأميتين الأبجدية والمعرفية في المهجر

 

أ.د. تيسير عبالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

tayseer54@hotmail.com

 (1) الأسباب والدواعي

أمست قضية امتلاك المعرفة اليوم أكبر من ضرورة وباتت حتمية لا مناص من العمل بها وإلا خرجنا من دائرة الوجود المعاصر وصرنا لا مجرد الأضعف والأكثر تأخرا بل الذين يتم استغلالهم بأبشع المستويات.. ولقراءة أوضاعنا الحقيقية بشأن امتلاك المعارف والعلوم يمكننا سريعا أن نشير إلى انتشار خطير للأمية في أوساط شيبنا وشبيبتنا أيضا... والإشارة هنا التي تتحدث عن حجم الأمية باللغة العربية تمتد لما هو أبعد من ذلك بما يطاول لغات المجموعات القومية الحية من تلك التي مثلت أيضا الجذور المكونة في مجموع البلدان العربية كما السريانية والكوردية والتركمانية والأمازيغية وغيرها...

 وبعامة فالأمية في البلدان العربية مع أبرز ثلاث مناطق عالمية أخرى تظهر، على وفق إحصاءات المنظمات المختصة اليونسكو مثلا (www.unesco.org/statistics)، بحجم 70% مما يقارب المليار أمي عالميا.. ولقد سجلت البلدان العربية أمية بنسبة 40% من نفوسها أي بما يعادل حوالي الـ 70 مليون إنسان؛ منهم 30% ذكور، وحوالي 52% إناث، وفي تفاصيل تقديرات معهد اليونسكو للأمية عام 2000 في عدد من الدول العربية نقرأ النسبة الأعلى للأمية في موريتانيا بمعدل 60% (50% بين الذكور و70% بين الإناث). ثم المغرب بمعدل 51% (38% ذكور، 64% إناث)، فمصر بمعدل 44%(32%m، 56%f)، والسودان 42%(31%، 53%)، والجزائر33% (24%، 42%)، وتونس 29%(19%، 39%). أما في الخليج فقد تحسنت الأمور نسبيا وصارت تتقدم بخطى ثابتة باتجاه تقليص المشكلة والتغلب عليها بحملات وطنية واسعة. وفي ضوء الإحصاءات فإن معدل الأمية في االسعودية عام 2000 بلغ 24%(16%ذكور، 32%إناث)، وفي قطر كان 19%(18%، 20%)، وفي الكويت 18%(16%، 20%) أما في دولة البحرين فسجلت الإحصاءات أفضلية على مستوى البلدان العربية بمعدل أمية بلغ 13%(8%، 18%) فقط.  

ومن المفيد أن نذكر هنا أنَّ الأمم المتحدة كانت قد حددت عقدا لمحو الأمية بين عامي (2003 ـ 2012) انقضى منه أكثر من خمس سنوات فيما الهدف أن يتم تخفيض نسبة الأمية بمقدار النصف في العام 2015.

 فما الذي فعلناه إقليميا؟ وما الذي فعلناه لملايين المغتربين في مهاجرهم القصية؟ مبدئيا تخضع البلدان العربية لضغوط الأزمة الاقتصادية العالمية وهي ذاتها في مشكلات الفقر والبطالة والتشوهات الهيكلية لاقتصاداتها ومعاناته من أمراض التخلف بمستوياته وصنوفه.. وكذلك إشكالية حصة التعليم من الموازنات الوطنية والإقليمية؛ وفي ضوء ذلك يخضع المواطن لضغوط تطحنه وتستهلكه فلا تترك مجالا مناسبا كيما تكون بين أولوياته مسألة خيار التعليم ومحو أميته...

إنَّ قضية الحاجة لسد رمق العيش ومطاردة متطلبات الحياة المعقدة التي يتحمل أعباءها العاطلون عن العمل وذوي الدخل المحدود تظل عاملا طاردا لتسرب الأبناء من مدارسهم بغاية المساهمة في توفير لقمة العيش وتبقى الفتيات بعيدا عن المدرسة والتعليم أكثر من الأطفال الذكور في ظروف التخلف الاجتماعي وطبيعة النظرة لدور المرأة ومكانتها في الحياة الاجتماعية العامة.. ويمكن قراءة النتيجة في ضوء التناسب بين نسبة الأميات الإناث تجاه الأميين الذكور التي تصل أحيانا إلى الضعف. ويستمر هذا حتى في مجتمعات الجاليات المغتربة وهو ما ينصب مشروعنا على معالجته جذريا.

ولأنَّ فرص العمل الحقيقية للمتعلمين وطبيعة الأجور السائدة في القطاعين العام أولا والخاص والمختلط ثانيا تظل متدنية تجاه المردود الذي يكسبه غير المتعلمين من بعض أصناف العمل، ولأنَّ الثقافة السائدة تدفع باتجاه الاحتفال برأس المال المالي على حساب رأس المال العلمي المعرفي، ولأن الغطاء المادي المالي يوفر عيشا وأمنا اجتماعيا واستقرارا أكثر في مثل سيادة هذا المنطق؛ لهذا ولغيره تجد التسرب عاجلا من مواصلة الدرس والتعلّم بغاية التفاعل العملي السطحي مع المعطيات الضاغطة تلك.. وبالمقابل في المجتمعات المهجرية تبقى فرص العمل المتاحة أكثر للمستويات المتدنية معرفيا علميا ما يُبقي على فكرة تقديم أولوية العمل على العلم وتأتي مسألة تعلم اللغة الأم في آخر تسلسل المعارف في قائمة الرعاية داخل العائلة المهجرية المحاصرة بضغوط العيش بمجتمع منقطع يحيا ظروف العزلة والفردنة بقوة ذات تأثير سلبي بالنتيجة والمحصلة.

ومجددا بالإشارة إلى أوضاع البلدان العربية فإن عدم التعاطي الشامل مع منطق التطور التكنولوجي العلمي وبقاء الاقتصاد يدور في فلك أدوات الإنتاج القديمة المتخلفة وجمود طرائق الإنتاج على أدوات تقليدية عتيقة عفا عليها الزمن، كما في أمثلة استمرار استخدام طرائق الرِّي المتخلفة وأدواتها زراعيا وكما في انتشار المانيوفكتورات (المصانع) الصغيرة وفي عدم توظيف المكننة والأتمتة والآنتاج الكبير والتكنولوجيا الحديثة التي باتت عالميا تعتمد تكنولوجيا المعلوماتية الأحدث من تقنيات الأنترنت والكومبيوترات التي ما زلنا نسميها حواسيب كأنها أجهزة صماء محدودة منقطعة فقط لحساب الأرقام المجردة في دلالة لتخلف النظرة! إنَّ كل ذلك لا يوفر الدافع المناسب للإنسان عندنا كيما يولي التعليم اهتمامه و\أو ليمنحه أولوية مؤملة...

أما في البلدان الأكثر تطورا حيث تهاجر إليها العقول من البلدان العربية طامحة أن تجد بيتها المعرفي الذي يحتضنها، فإنها لا تجد سوى تاثيرات البطالة وضعف نسبي لإمكانات منافستها مع الآخر لأسباب متنوعة مختلفة (بعضها غير موضوعي وغير علمي)، فتقع في الغالب  فريسة التبطل ومن ثمَّ دفعها لخسارة المعارف والعلوم التي تزودت بها فيما الأغلبية التي جاءت باحثة عن سريع الفرص للحصول على ثروة بعملها اليدوي العضلي البحت فإنها تظل مكرهة على البقاء بعيدا عن المعارف التي تحيا في أوساطها بلا تفاعل حقيقي مباشر معها.. ومن هنا بقاء الجاليات الآتية من بلدان العربية بعيدة عن دائرة التأثير العام وعن دائرة التفاعل الإيجابي مع محيطها وتظل مهمشة على مختلف الصُعُد والمستويات على الرغم من كونها قدرة انتخابية أكبر من غيرها عدديا ولكن في ظرفها هذا ليس كيفيا نوعيا..

ماذا يمكننا فعله في ضوء هذه الظروف لحل معضلة تخلفنا عن متابعة ركب الحضارة؟ وماذا يمكننا فعله لإزاحة عمى البصيرة المعرفي وأميـَّـتـَيـْنا الأبجدية والحضارية؟ ماذا فعلنا استراتيجيا ومرحليا؟ هل وضعنا اللمسات المناسبة التي ترتقي لمستوى المشكلة؟ وهل يمكن التصدي لمشكلة الأمية والجهل؟ بأعمال ترقيعية صغيرة؟

إنَّ حجم المشكلة ليس صغيرا أو هامشيا. فالمشكلة كما تقدم؛ تتداخل طبيعتها وقضايا كبرى على مستوى هذه البلدان. ومهجريا هي كذلك بسبب من (طبيعة) العلاقة بين مؤسسات الدول العربية ومواطنيها في الداخل فما بالك وهم في الخارج [في إشارة هنا إلى ضعف هذه العلاقة والتشوهات الحاصلة لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية]؟ وهي كذلك بسبب من التهميش العنصري أحيانا وفي أحيان أكثر بسبب التهميش الخاضع لضغوط الأزمات الاقتصا اجتماعية التي تجابهها الدول المضيفة للهجرات الكبيرة التي باتت مهددة بتحولات ديموغرافية غير مرحب بها وأيكولوجية بعيدة بالمعنى الفلسفي المعرفي الأوسع للمصطلح، ما يتطلب مستوى معرفي متمدن مناسب لينهض المواطن المهجري بدوره المنتظر بصواب ومسؤولية مدنية حضارية قويمة..

إنَّ حجم المشكلة هذا يعني أو يفرض طبيعة الحل ومستوى التفاعل معها. وكيما نتبنى تغييرا مناسبا وجذريا نحتاج لاستراتيجية بعيدة المدى في التعاطي مع إشكالية محو الأمية الأبجدية لغويا. ومهمتنا في محو الأمية لكل المستويات العمرية لا تقف عند حدود تعليم اللغة قراءة وكتابة وكلاما؛ ولكن الأمر يتجه أعمق صوب مشروع هوية ثقافية اجتماعية وصلات وطيدة بها من جهة وصوب بناء شخصية الفرد والجالية بطريقة توفر لهما فرصة التفاعل مع مجتمعهما المضيف إيجابيا وصحيا.. بما يتحول بطريقة التفاعل باتجاه وقف حالات التهميش ويجعل التأثير والنتيجة، الجسرَ الحضاري الأفضل لتحقيق مصالح الشعوب وتطورها وتطلعها للعلاقات البناءة فيما بينها...

من هنا تكتسي قضية تعليم اللغة دورها الأهم في علاقتنا بالفرد والجالية وبالمجتمع وفي تحسين الأوضاع العامة وتصويب اتجاه تقدمنا.. واستراتيجيا يلزم أن يكون الهدف تعليم العربية لكل مغترب في مهجره.. وأن توضع الإحصاءات المناسبة والآليات وأشكال الدعم التي ينبغي لنا تحملها لتحقيق هذه الغاية..

  (2)"مشروع ابن رشد لتعليم اللغة لكل مغترب"

 إنَّ أوليات خطة إنجاز تعليم اللغة (بقدر تعلق الأمر باللغة العربية) لأبناء الجاليات وبناتها تبدأ بمسح جدي وإحصاء لتجمعات أبناء العربية ومواضع انتشارهم.. وتقسيم هؤلاء على فئات عمرية محددة مثلا (أعمار من 6 سنوات حتى 14 سنة)، (ومن 15 – 23)، (ومن24 – 40)، وما فوق الأربعين. وكذلك بين فئات مهنية متنوعة بشأن المجموعات الثلاث الأخيرة بحسب طبيعة الأعمال التي يمارسونها...

الأمر الآخر سيتعلق باستحداث مقرات متابعة علمية (تدريسية) في كل بلد مهجري.. فيما يمكن توفير مراكز امتحانية بتأجير القاعات المناسبة لهذا الأمر في أكثر من مركز امتحاني في البلد الواحد ليسهِّل مسألة الانتقال والوصول في ثلاث لقاءات امتحانية سنويا باستثناء فترة العطلة الصيفية. وبعدد لقاءات تعريفية أخرى تجري في إطار تعاضدي مع الجمعيات الثقافية الاجتماعية ومع الجهات التعليمية ومراكزها المتاحة... وهذه الأوليات عالجها المعد المختص التابع لجامعة ابن رشد باستخدام غرف التعليم الألكتروني مبدئيا للتدريس وبمتابعة خطى التعليم بمنهجية محسوبة ومدروسة...

 من المفيد هنا أيضا البحث في إشكالية توفير كتاب تعليم اللغة بأكثر من مقابل لغوي مهجري مثلا العربية والأنجليزية، العربية والفرنسية، العربية والألمانية، العربية والإسبانية، العربية والهولندية وهكذا... كما يلزم لكل كتاب أن يرفق برقائق رقمية (CD’s) ووسائل إيضاح مناسبة تُعنى بمسألتين الأولى ممثلة في جوهر الثقافة التنويرية وتاريخ الحضارة لمجموع بلدان العربية بكل تنوعاتها وغنى أطيافها، والمسألة الأخرى بتاريخ العلاقة مع الحضارة الغربية ومجتمعاتها المختلفة وطبعا تبني فكرة التفاعل الصحي الصحيح مع المجتمع بطريقة إيجابية بناءة تمثل جسر العلائق الطبيعية المنتظرة..

إنَّ التعاطي مع هذه القضية الكبيرة هو ما تنطلق جامعة ابن رشد ومعهدها الأوروبي العالي لدراسات العربية كيما يتم تبني مشروع استراتيجي متكامل لتحقيقه  وقد تم وضع المحاور العريضة والرئيسة لـ "مشروع ابن رشد لتعليم اللغة لكل مغترب" الأمر الذي نتطلع لمساهمة جميع الأطراف المعنية فيه بطريقة ترتقي إلى مستوى الطموح وما نتطلع إليه سويا.. وقبل ذلك وبعده نحن ننتظر توجه طلبة العربية بهمة وحيوية للتسجيل والبدء بمشروع تعلّم العربية اليوم قبل الغد في ضوء لا حماسة مؤقتة بل موقف منطقي موضوعي يتم تبنيه وهو ما نحاول عقد اللقاءات التشاورية بصدده مع الأطراف المعنية عبر غرف الجامعة وفي منتديات اللقاء الاجتماعي المعرفي الثقافي العام...

وإجرائيا تتقدم جامعة ابن رشد بجهدها كيما تحتضن تعليم العربية في خطة خمسية تتطابق والخطة المتبناة لمحو الأمية من منظمة الأمم المتحدة واليونسكو وتتفاعل والجهد المنتظر من جهتين هما البلدان العربية والمؤسسات المعنية فيها وبلدان الاتحاد الأوروبي وجهدها الخاص بتعليم اللغات الأخرى لمواطنيها من ذوي الأصول الأجنبية؛ ونحن نشير هنا إلى القرارات المتخذة على أعلى المستويات الرسمية في كلا الطرفين بشأن تبني التعليم ورعايته بخاصة منه تعليم اللغات بالارتباط مع تفكير جدي استراتيجي بقضية التنمية البشرية..

فالارتقاء تحديدا بتعليم اللغة كونها  ليست مجرد وعاء آليِ بل الحاضن الحضاري الثقافي للهوية وللوجود الإنساني والعلاقات بين الشعوب سيتصدى لحالات تعرض (التعليم) لاختراقات التجيير بما يتقاطع والثوابت الإنسانية والحضارية وبما يحاول تحويله إلى عملية استغلال للجهل والتخلف والأمية ومن ثمَّ اختراق هذه الجالية أو تلك لغايات وخطابات سلبية في مستهدفاتها تقوم على تشويه جوهر التعليم في إطار محاولات تشويه ثقافة الناس واستغلال تغذيتهم المعرفية بطرائق لا علاقة لها بالثقافة والعلم والتنمية بقدر ما ترتبط بأطماع اختلاق الاختلافات والتقاطعات وما يستتبعها.. وفي ظل رعاية التعددية الثقافية في المهجر الغربي الأوروبي [والهولندي تحديدا في ضوء تجربة جامعة ابن رشد في هولندا] فإنَّ أبناءنا وبناتنا يتعرضون لقطع صلة الرحم بهويتهم وجذورهم إذا ما استمر إهمال تعليم اللغة العربية بالطرق المناسبة وبما يحصنهم ويجعلهم بمستويات معرفية وثقافية تتصدى لإذابتهم في توجهات غير صحية لا لهم ولا لمحيطهم الذي استقروا فيه...

إنَّ الردّ  هنا  يقوم على النهوض بدورنا العلمي المعرفي في تعليم العربية وجعلها متاحة لكل عربي في المهجر سواء من الجيل الأول أم الثاني أم الثالث.. وقد آلينا على أنفسنا النهوض بمشروع تعليم العربية لكل مغترب مبتدئين بالنشئ الجديد وبالتصدي لمهمة منحه الحصانة ضد حالات الهزال المعرفي والجهل بما لا يسمح باختراقه وهويته وانتمائه وبما يوفر له فرص المساهمة الفاعلة في بناء وجود مؤثر أصيل في محيطه وفي مد جسور الصلة مع جذوره وموائل أصوله الحضارية الثقافية النيِّرة...

إنَّ مشروعنا كيما يأخذ بعده الاستراتيجي؛ أكبر من أن نتصدى له بمفردنا نحن المؤسسة الناشئة بظروفها المادية المحدودة ولكن بطاقاتها العلمية الكبيرة الواعدة القادرة على تنظيم الجهد وصبه في أهدافه المؤملة. وهذا هو الأمر الذي دعانا إلى أن نضع مشروعنا الاستراتيجي الكبير هذا بين يدي جميع من له علاقة بتوجهه المعرفي الثقافي الإنساني الجوهر طلبا للدعم والمساندة من أهله وأصحاب القرار والواجب تجاه أبنائهم وبناتهم في مهاجرهم ومغترباتهم القصية، ونحن على استعداد لتقديم كل ما قمنا به من توفير الفرص الميدانية العملية لتقصي قراءة الأمور بجوهرها الأعمق والأبعد وإنجاز المهمة التعليمية...

  (3) مقترحات لأشكال دعم وتفاعل مع المشروع

 *** مقترحات للجهات المعنية كاقتراح لمساهماتها دعما لجهد جامعة ابن رشد في "مشروع ابن رشد لتعليم اللغة لكل مغترب" : وهي مقترحات ومطالب يمكن لكل طرف القيام بواحد منها أو باثنين أو أكثر وننتظر بثقة من الجهات الممثلة للبلدان العربية التعاطي مع الفكرة بالمقدار المتاح والممكن وبقدر اهتمامها بطبيعة المشروع وعمقه المعرفي الثقافي والإنساني، بله بقدر الواجب المناط بنا اليوم وفي غدنا القريب تجاه النهوض بتعليم اللغة ومحو الأمية:

*  ففي إطار هذا المشروع التعليمي الحضاري، يمكن لكل بلد عربي مثلا أن يتبنى تغطية أجور 10000عشرة آلاف طالب وطالبة في الخطة الخمسية لتعليم العربية في المهجر الأوروبي (هذا ليس فرضا قطعيا ونهائيا فلكل طرف يريد المساهمة أن يتحدث عن حجم مساهمته بالطريقة المتاحة والمناسبة مع أننا نأمل الارتقاء بالأمر لمستوى يفكر بعمق استراتيجي). وعليه فبمساهمة عشرة بلدان عربية فقط يمكن تعليم 100000 طالب وطالبة في السنوات الخمس القادمة.. وهو رقم سيشجع على متابعة تعليم اللغة وتحديث التعليم والاستمرار فيه وخلق الأفق المناسب لترسيخ الصلة بين أبناء اللغة وهويتهم فاللغة ليست ألفاظا مجردة بل عمقا مضمونيا وهوية إنسانية ثرة غنية... وهي أكثر من أداة صماء للتقعيد لعلاقات إنسانية متفتحة بيننا والآخر...

 *  يمكن لكل بلد ، ولكل جهة رسمية معتمدة للتعليم العالي كوزارات التربية والتعليم، النهوض بدعم أدبي عبر توأمة الجامعات العربية الرسمية وجامعة ابن رشد في مشروعها بشان تعليم اللغة ومحو الأمية الأبجدية؛ في ضوء مراجعة علمية أمينة ودقيقة للبرامج العلمية لهذه الجامعة ولأدائها الفعلي ومستويات أساتذتها وأهليتهم المميزة المتقدمة في التدريس بأرقى الأساليب والمضامين المعرفية... وسيكون لمثل هذا التوجه ترصين لمسارها ورعاية لجهودها العلمية واعتراف بأهلية علمائنا وأساتذة الجامعات العرب الذين تصدوا للمهمة الكبيرة هذه... وسيكون لاعتماد شهادة هذي الجامعة ومعهدها المختص باللغة، في دائرة البعثات بوزارات التربية والتعليم العالي في البلدان العربية انتصار لتبني التعليم عن بُعد \التعليم الألكتروني (تحديث تقنيات وآليات التعليم)  بوصفه نظاما تعليميا عالميا مهما ولأهمية استخدامنا له في الظرف الخاص بجمهور طلبتنا في المهجر الأوروبي [والهولندي تحديدا بالاستناد للتسجيل الرسمي لجامعة ابن رشد ومشروعها التعليمي في هولندا] وسيكون الاحتفاء بخريجي هذه المنظومة التعليمية أمر تشجيعي مطلوب ومنتظر...

 * دعم تسليط الضوء إعلاميا على مشروع تعليم اللغة لأبناء الجاليات المتحدرة من أصول عربية في المهجر الأوروبي كونه مهمة معرفية علمية بحتة يمكن من خلالها التقدم بمستويات أبناء تلك الجاليات والارتقاء بها كيما يكونوا خير سفير للهوية الثقافية، إنسانية الجوهر متفتحته؛ ويستطيعون عبر محو أميتهم الأبجدية والثقافية، التفاعل إيجابيا مع المجتمع المتطور الذي يحيون في كنفه بكل مجالاته... ومن أشكال الدعم لهذا المشروع مثلا تغطية أشكال الإعلان في الفضائيات والصحف المهمة.. وبهذا يمكن لأبناء الجالية التعرف أكثر إلى هذا المشروع والتعبئة للالتحاق به والتفاعل معه بالحجم الممكن والمنتظر...

 * تبني المؤتمر الدوري (السنوي) لــِ "اللغة العربية والحضارة المعاصرة"؛ ومحاوره في: "العربية والتنمية البشرية"؛ و "العربية وتبادل العلاقة بين الاستشراق والاغتراب \العربي في مهجره"؛ و "العربية والهوية الإنسانية المعاصرة"؛ و "العربية والعلوم الحديثة.. تكنولوجيا المعلوماتية عربيا"... ومن أشكال الدعم هنا ما يمكن أن يتمَّ بتغطية مشاركة أبرز العلماء والمختصين الذين يصلون من البلدان العربية ومن المهاجر والمغتربات المتباعدة العديدة. وطبعا ينتظر هذا المشروع  الكبير رعاية رسمية عربية وكذلك علمية معرفية من الجهات البحثية والأكاديمية المعتمدة بمستوى يتناسب والتوجه لتبني مشروع العربية والحضارة المعاصرة، عبر الوسط المهجري حيث العلاقة المباشرة مع الآخر، وما ستعكسه وتمثله مثل هذي المؤتمرات من قيم التمدن والتطور وإشراقات جهودنا العلمية المميزة والفاعلة.. علما أن مفردات دراسة الجدوى والأمور الإجرائية متاحة لدى جامعة ابن رشد وهي ماضية لمتابعة التنفيذ بدءا من ربيع العام 2010...

 * ويتطلع الناهضون بهذا المشروع الإنساني المعرفي المميز لطباعة مدعومة هنا في أوروبا، لتنهض بمسؤوليات كبيرة منتظرة من المشروع وطبعا ستتصدى مطبعة مناسبة دعم طبع نتاجات أساتذة التخصص والأدباء والمثقفين المهجريين وتقديمها لقرائها العرب في السوق الأوروبية (المهجرية).. وللطلبة والباحثين عن المؤلفات العربية [بدعم مؤمل مناسب]... وهذه مسألة لا تمثل إشكالا كبيرا على قدرات الجهات المعنية بقدر ما هي مشكلة لمؤسسة من الطاقات العلمية وأساتذة الجامعات المحاصرين بظروف العيش المعقدة هنا في أوروبا ولكنهم الذين يحملون بلا كلل ولا يأس مهمة العمل والعطاء العلمي المتصل المستمر...

 * دعم مشروع المكتبة الألكترونية والمكتبة التقليدية الورقية في خدمة طلبتنا في المهجر وحيثما يقيمون اليوم وغدا إلى جانب جهد معرض الكتاب العربي في المهجر الأوروبي وهو الأمر الذي نعمل على توفير الفرص المناسبة لجعله واقعا عمليا في ميدان التحديات الاستراتيجية بخاصة مع محاولات أخرى قد تجرّ باتجاهات غير سليمة وغير صحية.. ومن الطبيعي أن يبحث المتطلع للكتاب باقل كلفة وأبعدها تشجيعا على اقتنائه بالتنافس مع الحاجات الأخرى لتفاصيل يومه العادي.. وسيكون المعرض الأول مترافقا مع المؤتمر المؤمل في ربيع 2010 مثلما يجري الاستعداد ليكون جوالا أوروبيا..

 

(4) الخلاصة

يلزم أن نشدد القول على أنَّ فكرة التعليم اللغوي المتخصص لا يقف عند أوليات تعليم القراءة والكتابة بمستواها الابتدائي بل سيرافقه التدريس لمستويات متقدمة، البكلوريوس والماجستير والدكتوراه بما يجعل الأمر أدخل في تكامل منهج العمل بين التعليم  المدرسي الأساس والجامعي المتخصص ويفاعل بينهما مثلما يهيئ لللاحق من مراحل متصلة مستمرة لهذا المشروع التعليمي بعيد الأهداف. وعموما نعد نحن في جامعة ابن رشد أن نمضي في مهمتنا التعليمية متطلعين لالتحام وتجاوب من جموع طلبتنا وعوائلهم التي انتظرت دفقا محرِّكا ومناسبا في وقت نبقى في استعداد لتوسيع العمل بفضل الدعم الذي سيرتقي بالمشروع لمستوى أبعد من العمل المحاصر بجهود مؤسسية محددة و\أو محدودة.

 

ولدينا بالخصوص ملتقى تحضيري ندعو له الجهات الرسمية والتعليمية المعنية كيما تدلي برؤاها ومعالجاتها وتوصيات يتم الاتفاق على تبنيها إجرائيا في ظرف قريب منتظر..   كما أننا نضع ثقتنا بأن تستطيع الأطراف المعنية التغلب على كل تلك المصاعب والعراقيل التي مررنا على ذكرها كيما تتصدى لمسؤولياتها وواجباتها المؤملة.. وإذا كانت يد واحدة لا تصفق فإن الأيادي الممتدة المنتظرة ستكون الفرصة الأهم لتعلو سمفونية الأمل بأكف الطيبين والمخلصين والمدركين لحجم المنتظر في زمن لا مجال للتراخي والتردد وإغفال مثل هكذا أولويات تؤسس لمستقبلنا مثلما تبني حاضرا مطلوبا...

وبانتظار كلِِّ بجهده، يجد القائمون بـ"مشروع ابن رشد لتعليم اللغة لكل مغترب"، أنفسهم في خضم العمل الدؤوب عمليا وميدانيا كيما يمضوا إلى أمام وكيما يضعوا اللبنات الأولى لمصباح اللغة الذي سيضيء بلا حواجز وحدود... وهو فرصة أولى ستتحول لمشروعات أخرى شبيهة في مستهدفاتها المعرفية العلمية  النبيلة. وإلى ملتقى.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com