ذكرياتي مع شيخ الصحفيين الموصليين الاستاذأحمد سامي الجلبي

 

خالص عزمي

khalis_azmi@hotmail.com

وكأنني أراه في الذاكرة كما صاحبته بالامس .. أسمر اللون، ناعم البنية، متماسك الشخصية، ..عيناه السوداوان تشعان بالفطنة والذكاء وسيماه العربية تنم عن اصالة منبته .تعرفت عليه أول مرة عام 1949؛ ونحن في الصف الرابع الإعدادي من الإعدادية المركزية (الشرقية حاليا ) ضمن مجموعة متقاربة كانت تضم بعضا من ابناء الموصل الابية العريقة : حسن العمري، صدقي العريبي، نجيب يونس، عدنان الدبوني، سعد علي الجميل، محمود المحروق، حازم العمري، واستطاعت هذه المجموعة الكريمة ان تضم الى جوانحها خارج نطاق الاعدادية، عددا من أبناء الحدباء الذين عرفوا بشهرتهم الادبية والصحفية، امثال غانم الدباغ، وغربي الحاج احمد، وسامي طه الحافظ، ويونس صديق،وعبد الحميد التحافي، وعبد الباسط يونس، ونزار الدبوني، وهشام الدباغ ... وآخرين، كان اللقاء بهم سهلا ومحببا، في مواقع العمل، او المقاهي، او الندوات.

كانت الصحف الموصلية الصادرة يومها مثل الاديب ،و نصير الحق، وفتى العراق، والجزيرة، والمثال وغيرها تعطي معلومات واسعة عن نتاجات أبرز الكتاب والأدباء والشعراء العراقيين والعرب في تلك الفترة المزدهرة، وكان لفتى العراق لصاحبها الراحل الجليل ابراهيم الجلبي دورها البارز في دعم الحركة الأدبية، وتشجيع الشباب على ولوج هذا الميدان الثقافي المحبب : كما كان للصحفي الشاب احمد سامي ألجلبي دوره الايجابي في تنفيذ هذا المطمح عمليا . اذ لطالما دعا بعضا من زملاء الدراسة الى زيارة مطبعة الجريدة واطلاعهم طريقة التحرير و اسلوب تنضيدها بأيدي العمال المهرة، بالاضافة الى فن تصميمها واخراجها ومن ثم توزيعها، وكان هذا النهج الصحفي العملي قد افادهم كثيرا، حيث برز ـ بعدئذ ـ من بينهم عدد من الادباء والشعراء والصحفيين الذين شقوا طريقهم بتفوق و نجاح نحو عوالم الفكر الواسعة بعامة .

كان احمد سامي ألجلبي في تلك السن المبكرة من الدراسة، هاديء الطبع، خفيف الظل، قريبا من قلوب زملائه، محبا للمطالعة، شديد الولع بالرياضة، ومما كان ينم كله عن ذلك، هو مشاركته اليومية في زيارة مكتبة المدرسة الواقعة في الركن الايسر من المدخل الرئيس والاطلاع على آخر الكتب والصحف التي كان يقتنيها ـ وعلى حسابه الخاص ــالمشرف عليها استاذنا الشاعر الراحل ذو النون الشهاب تأكيدا منه زيادة وعي طلابه وتوسيع دائرة معارفهم، كما كان احمد سامي يمارس رياضة التنس في الساحة المقابلة للمدرسة مع بعض زملائه وقد برع في هذه اللعبة المحببة إلى نفسه .وكنت أشاركه الاهتمام ذاته.

لقد كان الراحل الكريم شديد الحرص على تقديم كل المساعدة الممكنة لاساتذته وزملائه، و منها دأبه على تحفيظ بعض الطلاب الايات المباركة المطلوب استظهارها من القران الكريم . وكان استاذنا المرحوم عبد المجيد شوقي البكري يدرك ما لهذا الفضل من أثر تربوي فيقدر له هذا الموقف النبيل امام الطلبة . ومما اذكره عنه ايضا مساعدته المدرسين المشرفين على سفراتنا التربوية او الترفيهية بكل ما اوتي من جهد وتعاون .

وحينما رحل والده الرائد الصحفي الكبير ابراهيم الجلبي مؤسس هذا الصرح الشامخ (فتى العراق)، تولى المرحوم احمد سامي أعباء هذه المهمة الواسعة الصعبة، بعد ان كان عضدها الايمن قبل هذا، حيث لم يتوان من السير بها- كما كانت بالامس - صحيفة وطنية بجذورها، عربية بتوجهاتها، تعطي الحياة الوانها وازدهارها بإطار محبب فيه حصة كريمة لكل المشارب والاذواق والثقافات

ولو اتيح لك اليوم ان تجول في صفحاتها بامعان ودراية، لوجدتها مشرقة نقية بكل جوانب المعرفة الصادقة الشريفة، فضلا عن مواقفها في دعم الفضائل والعمل الجد من اجل الارتقاء بمكانة العراق- عن طريق العمل الصحفي النزيه- ومواصلتها في دعم الطاقات المبدعة والعناصر الشابة الكفوءة، وفتح الابواب مشرعة امامهم لولوج دنيا الصحافة.

لقد ظلت العلاقة الحميمة ما بين الراحل العزيز وبيني تتنامى اخوة واحساسا على الرغم من افتراقنا من حيث المكان،

وكان آخر ما و صلني منه قبل رحيله الابدي، تلك الرسالة الرقيقة التي عبرت عن عمق عواطفه وتقديره، وهنا ابيح

لنفسي ان أدرج ما يؤكد صدق ارومته ونقاء سريرته :

أخي الكريم الأستاذ خالص عزمي المحترم

تحية طيبة ...

... وأسعدني أيضا ان تحمل فتى العراق نتاجك الطيب على صفحاتها ...

نحن نرحب الآن بكل مذكرات او كتابات او تعقيبات أدبية واجتماعية من اجل ان نتواصل .. والحمد لله بعد ان وجدنا

بعضنا بعد غياب طويل ..

ودمت أخا كريما بعز وسؤدد وصحة جيدة وعطاء مستمرا والله يحرسك .

المخلص احمد سامي الجلبي

سيبقى الصحفي الكبير الراحل الغالي، احمد سامي الجلبي علما من اعلام الصحافة والاخلاص والصدق وطيب المنبت

وسيبقى العراق فخورا به ما كر الجديدان . رحمه الله وأنزل عليه شآبيب المغفرة في فردوس منور عاطر بالبركات. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com