مقالات  

 

السلم المدني والأرهاب الاجتماعي      

 د. لميس كاظم

 

حلم العراقيون  كغيرهم من الشعوب التواقة للتحرر بحياة حرة هادئة توفر الأمن والسلم والأخاء الأجتماعي  بين كل ابناء المجتمع العراقي .

امنية كل عراقي  بسيطة وسهلة المنال ، هي حياة طبيعية سيتقبل المواطن صباحه مع شعاع الشمس التي تدفئ مشاعره طيلة النهار ويتناول فطوره مع عائلته على انغام الموسيقى التي تنعش مزاجه بدل اصوات الأنفجارات وسماع نشرة الأخبار التي تحدثه عن اخر التطورات في البلد والعالم بدون ذكر حالات القتل والذبح.

 امنية الأم هي ان ترافق طفلها الى دار الحضانة او المدرسة بسلام  ومحبة ومن ثم قبلة تطبعها على خده  لحظة الوداع ، تلك القبلة التي تمنحه البهجة والسرور ، وان تعود الى البيت او العمل دون خوف من احد الملثمين الذي يعترض طريقها ، او سيارة مفخخة ممكن ان تقطعها الى قطع متناثرة يصعب تجميعها.

 امنية العائلة هي في الحصول على سكن امن يتسع لكل افراد العائلة، الكل يضع راسه على الوسادة وينام بعمق ويحلم بدون خوف من الملثمين ، الذين باتو يرعبون العراقيين في الليل والنهار، فهم قتلة متجولون نهاراً، يبتاعون المتفجرات بأبخس الأثمان  وسط التجمعات الشرية الأمنة، وهم  ماردون ليلا يقتحمون البيوت اي لحظة وبدون موعد مسبق، فينهبون ويعبثون في ممتلكات العراقيين الشخصية دون رقيب. أمنية العائلة ان تتمشى بحرية وامان في شوارع ومنتزهات المدينة او الجلوس في مطعم وتناول وجبة شهية ، وعيونهم لاتبحث عن الموت الذي يلاحقهم اينما ذهبوا.

 امنية  الشابة والطالبة هي الذهاب الى المدارس والجامعات بحرية وبدون ملاحقة الغرباء ، هؤلاء الذين يعترضون ويقتحمون الحياة الخاصة للفتاة العراقية دون سند قانوني او سلطة شرعية ، وانما نصّبوا انفسهم بدون وصاية ليكونو أوصياء على سلوكها او ملابسها او تبرجها مهددا با لخطف والأغتصاب والقتل.

 هذا الأرهاب اليومي  الملسط على كل اشكال المدنية اوالتحضر في المجتمع ، يطال العربي والكوردي المسلم والمسيحي  والصابئ والأشوري وكل من لايخضع لتعاليم هؤلاء الفئات الضالة ، محتمون بأسم الديمقراطية وغير مهتممين لاي مشاعر شخصية.

 أن تلك الممارسات كانت وستبقى غربية عن المجتمع العراقي ، فهولاء هم نفس رجال الأداب الذي استحدثهم الكافر خير الله طلفاح في سبعينات القرن النمصرم ، والذي اثار ضجة اجتماعية استنكرها كل دعاة الحرية الشخصية. وهم نفس الزمر في المجتمع الايراني  ،وهم نفس العربان والأفغان ،الذين يتجولون في الشوارع ويراقبون كل فتاة وأمرأة لم ترتدِ الحجاب اوظهور خصلة من شعرها لتنال العقاب والأهانة بغض النظر عن انتمائها الديني والقومي.

 اليوم استورد هولاء  الجهلة في الدين ، تلك السلوكيات والعادات التي تضطهد الحرية الشخصية، متناسيون ان النسخ في النظام السياسي والأجتماعي  مرفوض في المجتمع العراقي ، فنحن لم نتحرر من النظام الشمولي  الصنمي لنعود الى نظام ظلامي اثبت فشله في التطبيق على كافة الاصعدة الأجتماعية والسياسية والفكرية.

  ان  محاولات جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرهم من تلك الفلول المسعورة ضد التقدم والمدنية ، الذين تُوّفر لهم الحماية بقوة السلاح والغطاء السياسي  من قبل بعض القوة  السياسية الغربية عن تراث العراق السياسي ، فتلك المحاولات بائسة ولن يكتب لها النجاح كما حدث في الكثير من البلدان ذات الون الواحد، لان العراق القادم متعدد ، لن يُقررمصيره حفنة من هولاء الذين لايجيدون اللهجة العراقية ، بل سيقرره احزاب ومؤسسات عراقية  وطنية ناظلت عقود طويلة من اجل الحرية السياسية والأجتماعية.

أن تلك الزمر المتخلفة كثفت  نشاطها في الفترة الأخيرة ، مستفيدون من الأنفلات الأمني ، ومدعومين بقوى ظلامية داخلية وخارجية ، وبات ترهيب المواطنون واجبارهم على التصرف ضمن الأطار الذي تحدده تلك الزمر الخارجة عن القانون ، هو سلوك يومي اعتادت علية العائلة العراقية التي لاتمتلك القوة والحماية في مواجهتهم ، وهذا يشكل اعتداء صارخ على الحرية الشخصية وتجاوز على الخطوط حمراء للسلم المدني ،  فكان أخر نشاطهم هو اعتادائهم المشين على طالبات جامعيات لمجرد وجودهن في سفرة جامعية نظمتها كلية الهندسة في متنزة الأندلس في مدينة البصرة .

ان الموقف المتأخر في الأستنكار والأدانة من قبل كل مؤسسات المجتمع المدني والبعض لم يدخل في جوهر الموضوع وانما اكتفى في العموميات  وقسم اكتفى بالصمت ، غير مبرر  على الأطلاق .  فهذا الحدث لا يشمل طلبة البصرة فقط بل يشمل كل طلاب العراق وشبيبتها ويشمل كذلك كل دعاة الحرية الأجتماعية.

 معالجة احداث البصرة هي دلالة بارزة على ضعف التيار الليبرالي والتقدمي للتصدي لهذا النهج الذي يسود اغلب محافظات العراق. فهذا السلوك هو تمرين اولي لمعركة مدنية مؤجلة في الوقت الحاضر بين قوى تحاول ارجاع البلد الى نظام ذو لون وفكر واحد وبين قوى وشرائح اجتماعية تناظل من اجل العدالة الأجتماعية ومجتمع متعدد الأفكار قائم على السلم الأهلي والتعدية الفكرية والأجتماعية.

 ان الأرهاب الاجتماعي اليومي الذي يتعرض له المجتمع العراقي ، هو ناقوس خطر يدق في سبيل اجبار قطاعات واسعة من المجتمع على الألتزام بقيم هؤلاء الفئات الضالة وعدم فسح المجال للتطور الأجتماعي والمدنية. وهى محاولات مدروسة تتفق معها بشكل غير معلن كل القوى السياسية العراقية المعادية للعلمانية والتحرر الأجتماعي. ان الكثير من الأحزاب السياسية تأسست وتربت في رحم النظم ذات اللون الواحد ، وهي لاتزال تكن الحقد الدفين ضد التحرر الأجتماعي وتحاول بلغة الترغيب والترهيب والفتاوي الغير منسوبة الى مصدر اومرجعية الى وقف التطور الأجتماعي ، الى وقف التطور المدني ، مدركة تماما ان التحرر والمساواة الأجتماعية والمدنية تقف بالضد من فكرها السياسي وتحجم دورها في المجتمع.

 ان فتح باب الحوار العلني الديمقراطي الواسع ومناقشة تلك القضايا من قبل رواد الفكر والثقافة والأحزاب التي تؤمن بالحرية المدنية والمساوات الأجتماعية، اصبح من اولويات نضاهم اليومي والتصدي الواضح والصريح لتلك الأفات الأجتماعية التي ستفتك بالبنية التحتية للنظام الأجتماعي العراقي.  فمهادنة او عدم فضح تلك الافكار الظلامية التي تسجن الحرية الشخصية والسلوك الأجتماعي ، سيساهم في توسيع نشاطهم ،وسيكون التصدي لهم ولأعتدائاتهم على الحرية الشخصية من الأمور التي يصعب حلها في المستقبل.

 أن من اولويات الأحزاب العلمانية والليبرالية التمواجدة في البرلمان الأتفاق مع كتلة الأئتلاف في برنامجها القادم ، ليس على الحقائب الوزارية والسيادية ، وانما على ضمان الحرية الأجتماعية و الحفاظ على السلم الأهلي واستمرار التطور الأجتماعي المتنوع الذي يضمن الحرية الأجتماعية والمدنية لكل الطوائف والأديان والقوميات ويصون كرامة وحماية المواطن والمواطنة كما وأن الأصرار على تثبت تلك الفقرات في الدستور الدائم ، اصبح حاجة ملحة لايكمن التنازل عنه، فهذه الثوابت هي الكفيلة بحماية الدستور من سطوة القوى الظلامية وحمايته  من الأمراض الأجتماعية.

 ان اي تأخير في معاجلة هذه القضايا الملتهبة ،  سيزيد من تدهور الأمن الأجتماعي اكثر فأكثر. كذلك السكوت وعدم التدخل على كل التجاوزات على الحرية الشخصية والعادات والتقاليد سيصبح تهديد حقيقي لمسقبل المدنية والتحضر و الديمقراطية في العراق.

 

 

 

  

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com