مقالات

أغنى بقعة في الكون!

د. حيدر الساعدي

 

مرات قليلة تلك التي زرتك فيها يا أرض الاجداد ولكنها تركت جرحا غائراً في اعماقي ألمليئة بالجروح وألهموم التي تأبا ان تفارقها وكأن هناك زواج كاثوليكي بينها و بين كل من ينتمي الى عالم الجنوب ولو حتى روحيا.

جدي ترك ألعمارة في نهاية الاربعينات متجها إلى بغداد باحثاً عن حلمه ألإسطوري في العاصمة وبعد أن أصبحت الحياة في ألجنوب صعبة لمن يطمح في ان يكون لأولاده مستقبل ففي ألعمارة مثلا لم تكن هناك مدارس بمعنى المدارس الصحيح بفضل توزيع المدارس الطائفي والعنصري والمبرمج أصلاً لتجهيل جنوب العراق وكان" ساطع الحصري" الغير عراقي أصلا ولا ولاءاً, مهندس عملية التوزيع العنصري بحيث انه أسس لمدارس فيها جميع المراحل الدراسية في مدن المنطقة الغربية ك( راوة وعانة وحديثة وغيرها) ومن نتائجها ان معظم الجامعات العراقية في زمن البعث البائد كان فيها العميد حديثي ومعاونه راوي وقد يكون هناك أحداً يحمل لقب جنوبي ولكنهم كانوا يختارونه بحيث يكون قذرا بعثيا و ناكرا لأصله وجلدته بل وحاقدا عليها. اما في مدن الجنوب الكبيرة كالعمارة لم يكن هناك سوى تعليم إبتدائي في احسن الأحوال.

 كان كل من يريد لأبناءه تعليما جيداً يهاجر إلى بغداد أو يرسل أبناءه إلى البصرة لغرض الدراسة وطبعا هذا الأمر كان صعب ومرهق ماديا . جدي إختار الطريق ألاول وهو أن يهاجر ولكنه وإلى ألان وبعد ان اصبح في الثمانينات يأن ويتمنى الرجوع ويكرر لعنة الله على ألجفاف و على الحصري وحكومات العراق التي لم تبخل أبدا في سياسة إفقار وتحطيم جنوب العراق ( عدا حكومتنا المنتخبة فهي لازالت في المهد وليس من العدل تحميلها المسؤولية الان ولكننا ننتظر منها الخير ان شاء الله).

على ألرغم من كل هذا كان ابناء ألجنوب هم رواد الحركة الادبية ومثقفين العراق رغم انوف الاعداء.

حدثني صديق لي كان طيارا بأنه لم يشاهد ابدا طوال مدة خدمته مدينة احلى من العمارة من الجو, كان يصفها لي وصفاً يجعلني أبكي حسرة على أرض أهلي وأرض احلامي الطفولية" لكثرة ماحدثني جدي عنها" وعلى الحال التي وصلتها خصوصا بعد مجيئ " القائد المقدام بطل الهروب القومي لقيط العوجة" .

قرأت تقريرا قد يكون مبالغاً فيه ولكنه ليس بالبعيد كثيراً عن الحقيقة لباحث أميركي لا أذكر اسمه حقيقة، كان قد زار العراق في الثمانينات وذكر في حينها أن " ألعمارة أغنى بقعة في ألكون" فهي تطوف على بحر خرافي من النفط . تصوروا أغنى بقعة في الكون وأهلها يعانون ألفاقة ومدينتهم أبعد ماتكون عن إسم المدينة فالخدمات معدومة وشوارعها لازالت تعج بالتراب صيفا والوحل شتاءاً وكانها في بدايات القرن الخامس عشر، ومن الملاحظ انه إلى الان لاتوجد جامعة تحمل اسم هذه المدينة على الرغم من كثافتها السكانية، ولكن في تكريت والرمادي ولربما لو لاسامح الله طال بقاء الطاغية لجعل جامعة في قرية العوجة والبيجات والعلم لتخرج اساتذة متخصصين في فن تدمير وتجهيل العراق والعجل يابة .

في بداية رحلتنا في العالم الغربي بعد ان اصبحت الحياة لاتطاق في بلاد الرافدين وأصبحنا مهددين في كل شيء وأولها حياتنا ولرغبتنا في حمل شهادات تليق باهلنا وتاريخنا والتي للاسف اصبحت حكرا على كل من يعوج فمه او يلوك الحروف عند الحديث, كانت الخطوة الاولى هي تعلم لغة البلد الذي نعيش فيه الان لغرض معادلة شهاداتنا، و كان يطلب منا كتابة مواضيع إنشائية و على كل طالب أن يختار موضوع مستوحى من بلده الام، كنت اكتب دائما عن الاهوار وشط العرب والسياب وغيرها من معالم جنوبنا الحبيب وبالطبع كنت اطعمها بقليل من حديث ألشجون والالم " كعادة اهلنا الذين يبكون حتى في الأعراس", كانت مواضيعي هي دائما مثار الإهتمام من الاساتذة والطلاب وكانوا غالبا يطلبون مني بعض الصور أو مواقع الأنترنت التي تحتوي على هذه المعلومات.

لا أريد ان أتعبكم إخوتي في إجترار ألأحزان وتكرار حقائق يعيشها ملايين المعدومين من أهلنا في الجنوب وهم يدوسون على أرض تحتها ذهب وهم يأكلون الشوك والعاقول.

ماهو المطلوب ألان؟

المطلوب هو حركة سريعة ودؤوبة من قبل كل الخيرين في العراق وبضغط مستمر من قبل الاعضاء في الجمعية الوطنية والذين هم اصلا من الجنوب لاحقاق الحق ولبناءه والاسراع في ذلك ولانريد ان ننتظر الى ان ياتي الربيع.

الحمد لله لدينا الان كوادر وشهادات منتمية ومحبة بل وتعشق العراق و الجنوب على وجه الخصوص ومستعدة لخدمته بكل طاقاتها وامكانياتها, فقط المطلوب هو الاسراع في الاعمار .

الوضع الامني في العمارة والناصرية والسماوة والبصرة لايختلف عنه في شمال العراق, فلم هذا التاخير ؟

أم أن هناك حصري جديد ! اتمنى ان لايكون ذلك صحيحا لاننا لن نسمح بتكرار الخطا مرة اخرى..

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com