مقالات

ثقافة العنف وضرب النساء

احسان طالب

m.h.taleb@mail.sy

 

تسيطر على عقولنا نحن العرب مجموعة من المسلمات والبديهيات تعد أساسا ً وقاعدة لمواقفنا وآرائنا تجاه الآخرين وتجاه قضايانا المزمنة والمعاصرة ومن ذلك قناعتنا الراسخة بأننا أفضل الأمم وخير أمة حاضرا ً وماضيا ً ومستقبلا ً وللحفاظ على هذا الوهم نقوم كأفراد ومؤسسات وحتى حكومات بتجميل الصورة وإخفاء العيوب وعدم التحدث عن أي من مظاهر التخلف والرجعية والفقر والمرض الذي تغص به مجتمعاتنا وأوطاننا وتغدو المسألة أكثر تعقيدا ً وأشد حرصا ً عندما تكون القصة متعلقة بالمرأة وأحوالها وأوضاعها وحقيقة مكانتها ودورها في المجتمع فنحن نعتقد جازمين بأننا أكثر شعوب الأرض تعظيما ً للمرأة وتقديرا ً لها ونصر على ذلك ونأتي بالأدلة والبراهين لتأكيد ذلك وفي الوقت نفسه نغمض أعيننا عن مظاهر شديدة الوضوح لا تترك جدلا ً حول حقيقة الوضع المزري الذي تعيشه المرأة في أوطاننا وبلداننا فنحن نريد حجب عين الشمس بالمنخل. ما زالت الغالبية العظمى من السعوديين تعتبر قيادة المرأة للسيارة أمرا ً محرما ً وباب الفتنة وسببا ً لاختلاف المسلمين. وما زالت المرأة اليمنية غير قادرة على كشف وجها في الجامعات والدوائر الحكومية فضلا ً عن شوارع العاصمة صنعاء. إلى الآن ما زال نصف النواب في مجلس الأمة الكويتي يعارضون عمل المرأة في السياسة ويرفضون إعطاءها حقوقها السياسية رغم إقرار القوانين بذلك ولعله الهجوم الشرس الذي واجهته الوزيرة الأولى في الكويت دليلا ً على ذلك.

 تستفحل المشكلة وتعمق وتستعصي على الحل كلما أوغل أصحابها في تجاهلها وعدم الإقرار بوجودها والسعي الدائم لإعطاء المبررات للعوارض والظواهر الناجمة عن وجودها وتجزرها. هذه الحقيقة تنطبق تماما ً على ظاهرة العنف في مجتمعنا عموما ً والقسم المتعلق بالمرأة تحديدا ً.

 لذلك كان لا بد من الاعتراف بهذه الظاهرة والإحساس بها كمشكلة متأصلة حتى نبدأ السير في طريق الحل.

 إن إشاعة فكرة الحوار والتحاور وقبول الآخر من خلال تأصيل ثقافة الديمقراطية في المجتمع عموما ً وفي المنظمات والتجمعات والنقابات والمدارس وأفراد الأسرة الواحدة بعد خطوة ضرورية للبدء في معالجة مسألة العنف عموما ً وضد الساء خصوصا ً ذلك أن الانطلاق من القنا عات الجامدة والتصورات المحددة بناء على أفكار أيديولوجية وأصولية متحجرة لا يترك مجالا ً لقبول الآخرين والإقرار بالخطأ وبوجود المشكلة.

 قبل سقوط الديكتاتور الروماني الشهير ( تشاوسيسكو) كانت المستشفيات تغص بالأطفال المصابين بالإيدز وكانت سياسة الحكومة آنذاك التعتيم والتضليل وعدم الاعتراف بوجود المشكلة مما أدى إلى تضاعف الوباء وتفشيه بشكل مرعب ولم يتم البدء بالإعلان عن الأرقام الحقيقية إلا بعد إقامة دولة ديمقراطية أخذت على عاتقها معالجة الأزمة, في مصر تؤكد وسائل الإعلام الرسمية على عظمة أوضاع الشعب المصري ورخاء عيشه ورفاهية حياته وللتأكيد على ذلك أنشأت الأجهزة حركة سمتها (حركة استمرار من أجل بقاء الازدهار), ازدهار في مجتمع ارتفعت نسبة البطالة فيه إلى28%.

 وفي وطننا الحبيب أقر أخيرا ً نائب رئيس مجلس الوزراء بوجود ما يعادل 29.4% من الشعب السوري تحت حد الفقر.

 هذه الأمثلة تدل ببساطة على ضرورة الانعتاق من ثقافة سائدة ومسيطرة على مجتمعنا لا تقر بالشفافية ولا تعترف بالإنسان كقيمة فوق الأيديولوجيات والأصول. إلى جانب ذلك تقف الرغبة الملحة في ثقافتنا إلى النصر الكامل والتفوق المطلق حافزا ً للعنف ورفض الآخر إلا بشرط خضوعه وولائه الكامل (إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابرة ساجدين)

 (لنا الصدر دون العالمين والقبر)

 فإما الصدارة والرياسة والزعامة والحرب حتى ولو أفضت إلى القبر فلا مكان في ثقافتنا للحلول الوسط والتوافق والتقارب (لا توجد منطقة وسطا ما بين الجنة والنار) _ مع الاعتذار لنزار_

 و هذه الطريقة الفكرية والأسلوب الثقافي ينعكس على تعاملنا داخل مجتمعاتنا وخارجها. فعندما نفاوض الآخر ونحاوره إنما بهدف إقناعه بصوابية مواقفنا وعظمة ذاتنا فإذا لم يصل معنا إلى هذا الحل فلا بد من الحرب والاقتتال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يؤمنوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)

 و كانت الجيوش الإسلامية تطرح على البلاد التي تريد غزوها ثلاثة حلول:

الإسلام - الجزية - والحرب. أذا ً لا مجال لقبول الآخر كما هو حيث أن قبوله مشروط بخضوعه (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)

 

الثقافة المؤسسة للعنف ضد المرأة:

  يتحكم فكر الإنسان وقناعاته الراسخة بأسلوبه في التعامل مع الآخرين وفي طريقة معالجته للمشاكل والأزمات وما ينطبق على المثقف والمفكر ينطبق على الأمي والجاهل الذي تراكم في لا وعيه مجموعة من القيم والمبادئ التي يتساوى فيها مع العديد من رواد الجامعات والسبب في ذلك أن ربط المواقف من الآخرين والأزمات بمجموعة من القواعد المقدسة التي لا تناقش ولا يأتيها الباطل لا من بين يديها ولا من خلفها يجعلنا نعتقد أننا على صواب دائما ً وبذلك يتعذر الإصلاح ويغدو حل المشاكل أمرا ً في غاية التعقيد.

  تبدأ المشكلة باعتبار المرأة كائنا ً يخضع للوصاية والرعاية بشكل مستمر فعندما تعتبر المرأة شخصا ً تتحكم به عواطفه ولا يمتلك القدر الكافي للاستفادة من عقله في المواقف العصيبة (كالقضاء مثلا ً) وجب وضعها في درجة أدنى وفي حيز يقاد فيه من قبل الجنس الآخر وفي هذه الخلفية ينشأ الطفل والشاب في بلادنا على الاعتقاد بعلو شأنه تجاه الأنثى حتى ولو كانت أكثر إنتاجا ً وثقافة ً وحكمة ً فهو يربى باعتباره رجلا ً له الحق في إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبة. وفي الجو نفسه تنشأ الفتاة لتكون خاضعة راضية بما يمارس بحقها لأن المنطق الرجولي الذي تربت عليه يستند إلى تاريخ مقدس ونصوص قاطعة.

  وتزداد مشكلة العنف ضد المرأة تعقيدا ً عندما تعد المرأة حرمة أي كائنا ً ينبغي حجبه وإبعاده عن المجتمع إلا لضرورة يقوي ذلك ويثبته الموقف الحساس جدا ً من مسألة الشرف والعرض والحرام والحلال الذي يوجد أرضية خصبة للرد على أي تجاوز لحدود تلك الحرمة حتى ولو كان الأمر مجرد شك فالتربية والنصوص تبيح الدفاع مباشرة بأشد العقوبات ولو لمجرد الشك (يجوز لصاحب البيت إدخال السهم في عين رجل رآه ينظر إلى حرمته عمدا ً) وبالمقابل يكون الموقف غاية في العنف عندما يكون الشك متعلقا ً بالمرأة ذاتها وبمواقفها ورغبتها في الانفراد في تقرير حاضرها ومستقبلها. وما ينطبق على الفتاة في بيت أهلها يتحول إلى واجب مرتبط بالمآل والجنة والنار عندما تتحول إلى زوجة يفرض عليها ضوابط وقواعد قاطعة يعد أي تجاوز لها اعتداءات على حرمات الله وخروجا ً على أصول الشريعة. وهنا يأتي النص بضرورة ضرب المرأة إذا عصت زوجها ولا يعد الضرب هنا عنيفا ً بل تأديبا ً وإعادة إلى جادة الصواب.

  في استفتاء أجرته قناة اقرأ الفضائية على مجموعة من النساء أجابت الغالبية العظمى منها بحق الرجل بتأديب زوجته إذا عصته وتأخرت في إطاعة أوامره وهنا يصبح الحديث عن العنف ضد المرأة تعديا ً على المقدسات ً وتجاوزا ً للخطوط الحمراء. وهذا أمر يدعو إلى مراجعة شاملة لثقافتنا الدينية ومحاولة إدخال الحوار والنقاش إلى تلك الثقافة.

  إن العمل لوقف العنف ضد النساء يتطلب مباشرة العمل على مشروع يتبنى المسألة ويبدأ التوعية بها انطلاقا ً من الاعتراف بوجودها وانتشارها ومضارها بشفافية وجرأة. ومن ثمة إعادة الاعتبار للمرأة ومكانتها في المخيل الثقافي الشعبي الذي غالباً ما يساهم في دونيتها وتراجع موقعها. إن اعتقاد الرجل بحقه في تأديب المرأة يجعله يبادر إلى ضربها كلما رأى ضرورة لذلك أما عندما يعتبرها كائنا ً مساويا ً له يتمتع بنفس الحقوق والواجبات وأنه لن يجد التغطية الشرعية والاجتماعية لممارسته للضرب سيبدأ بالكف عن اللجوء إلى العنف كحل وسيفكر مليا ً بالعواقب قبل نشر غضبه وبالمقابل فإن توعية النساء بحقوقهن وقناعتهن بحرمة ممارسة العنف ضدهن سيدفعهن للدفاع عن أنفسهم والاستعانة بالآخرين لحل المشاكل وعدم الرضوخ والرضا بالذل لمجرد كونهن نساء.

  والجدير ذكره ارتباط العنف بضعف التعليم لدى الجنسين فالجاهل عادة لا يتراجع عن رأيه وموقفه كونه لا يملك الحجة للدفاع عن أفكاره وقناعاته يلجأ إلى القوة والعنف كحل مباشر لقضايا الخلاف.

  إن التأسيس لتعظيم قيمة الإنسان مقابل المعتقدات والقيم الأخرى يساهم بشكل فعال في الحد من العنف فإذا توصلنا إلى اعتبار الإنسان مجردا ً من كل انتماء عقائدي وعرقي وجنسي كائنا ً يستحق العيش بكرامة ولا يجوز التعرض له لمجرد الاختلاف والشبهة يتيح الفرصة لمزيد من التعامل السلمي والبعد عن الخلافات بالقوة.

 

ختاما ً:

  إن إشاعة ثقافة حقوق الإنسان وتدريس الميثاق العالمي الخاص بهذا الشأن في مدارسنا وقيمنا التربوية وفي حوارنا ونقا شاتنا الخاصة أمرا ً هاما ً وبالغ التأثير في الالتفاف حول قيم إنسانية ومبادئ يشترك بها العالم أجمع بما يجعلنا جزء منسجما ً مع العالم حولنا يقر بالمساواة بين الجنسين ويعطيهما ذات الحقوق والواجبات.

 

  

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com