مقالات

وظلم ذوي القربي

ابتسام يوسف الطاهر

كاتبة عراقية / لندن 2005

 

 حاولت ان اخذ اجازة من الكتابة، او أهرب من العمل الغير مجدي الذي اقوم به يوميا، وكأني الفلاح الجزائري الذي يعيش في الصحراء، يقضي نهاره بازاحة الرمال عن النخيل، لتعود في اليوم الثاني كما كانت وكأنه لم ينقل حفنة منها.

 فشغلت نفسي بمشاهدة التلفزيون، فصار يستفزني بتقاريره واخباره الحالكة، فكدت اشهر سيفي، عفوا قلمي، لولا فسحة الصبر. فتشاغلت عنه بالطبخ وعمل حلويات لم ياكلها احدا غيري. فكانت النتيجة آلاما بالظهر واوجاع بالمعدة وحرقة بالقلب! فعدت لاوراقي وقد عرفت انها الدواء الذي يخفف عني حالة الغضب...وقد صاراللامنطق هوالسمة التي تميز حياتنا حاليا، خاصة مايجري علي الساحة العراقية. من تلك المواقف اللامنطقية ارصد هنا ثلاثة:

 احدثهاــ خاطبت بعض الزميلات ممن لهن نشاط سياسي وخاصة بمايخص الوضع في العراق، استحثهم لعمل شئ ولو لاسماع صرخاتنا استنكارا على القتل اليومي لاطفال العراق الذي لم يتوقف وانما ازداد على ايدي من يسموا انفسهم (مقاومة) ــ وظلم ذوي القربي اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند ــ واحتجاجا على قوات امريكا المتواجدة هناك للقتل ولم تحرك ساكنا لحماية المؤسسات او القادة ولا حتى الناس المدنيين الابرياء.

 وصلتني ردود مؤيدة واخرى احالتني الى اعتصامات وفعاليات لمنظمات انكليزية متعاطفة مع الشعب العراقي! ولكن احدها استفزني مستنكرا تعبيري (مايسمي بالمقاومة) ويذكر ان ماقتل علي يد هؤلاء لايزيد عن 9 بالمئة بينما ماقتل على يد الامريكان اكثر من 36 بالمئة)!! فصرخت غضبا ولكن على شاشة الكمبيوتر هل هي منافسة، من يقتل من العراقيين اكثر؟ يبدو انها منافسة حامية الوطيس بين اطراف عدة، اولها قوات الاحتلال وبقايا عصابات صدام، اضافة لتجار سمنوا اثناء الحروب، او تجار الكلام، او من يمارسوا هواية الذبح والقتل الجماعي باسم الدين اوالقومية! كلها تترصد العراقيين اطفالا ونساءا وعمال وطلبة واطباء وغيرهم، تحت قناع (المقاومة) هل سمعتم بمقاومة تتجنب دبابات العدو والقصور التي يختبأوا بها، وتترصد الاطفال في الشوارع، او النساء والكسبة في الاسواق؟ اذن انها (مقاولة) وليست مقاومة، علي رأي احد الصحفيين العراقيين!

الموقف الثاني لايختلف كثيرا ببعده عن المنطق.

 في لندن وبعد سقوط صدام، وجهت لي دعوة من راديو BBC Five للحديث عن الاوضاع بالعراق باعتباري احد الناشطين ضد الحرب، التي شُنّت ضد الشعب العراقي، وانقاذا لصدام من غضبة ذلك الشعب. لم تكن لي خبرة بالحوار من الستوديو، لذلك اسهبت بالحديث عن الوضع الامني المتردي ــ والذي قياسا لما يحصل اليوم كان نعيماــ اضافة للجرائم والسرقات والاختطاف، بحيث ان الفتاة الجامعية لابد ان تذهب بمصاحبة الاب او الاخ لحمايتها! مع اننا في العراق كنا سابقا في الستينات وحتى السبعينات، ندع الطفل ابن السادسة يذهب للمدرسة لوحده دون خوف. على العكس مما يحصل هنا في لندن! اضافة للاوساخ والفوضي في كل المجالات. قاطعوني ليسألوا مراسلهم من بغداد، فعلق على ماقلت بما معناه ان الوضع ايام صدام لم يكن احسن، كانت السرقات متفشية والجرائم كثيرة... تمالكت نفسي وقد اشتعلت حمى الغضب والانفعال، وانا اتذكر حلم العراقيين بالخلاص وأملهم بتحسن الوضع يوم بعد اخر! فقلت: هل هي منافسة بين الامريكان وصدام، ايهما اسوأ في جعل الحياة جحيما هناك..؟!

 قاطعوني مرة اخري، بحجة ضيق الوقت فخرجت، ولم البي دعواتهم اللاحقة. 

 تلك المواقف ذكرتني بحالة اخرى من اللامعقول المزمن في العراق. 

في السبعينات أمر صدام باعدام اكثر من عشرين جندي بسبب انتمائهم للحزب الشيوعي الذي كان احد اعضاء الجبهة الوطنية، فتسلل الخبر للخارج بالرغم من التعتيم الاعلامي، وجاءت وفود صحفية اجنبية من الذين يسعون لطلب الحقيقة (ولو بالعراق) . وعقد مؤتمر لهم حسب الاصول (الديمقراطية)، مع القائد الفذ. سالته احدى الصحفيات: لماذا امرت بقتل اؤلئك الشبان، وانت بجبهة مع الحزب الذي ينتموا له، هذا اذا كانوا منتمين فعلا؟ صمت الكل ليسمع الجواب التاريخي.

 فرد فض فوه: رئيس اثيوبيا قتل المئات اثناء انقلابه على هيلاسي لاسي، ولم تسالوه؟ وانا تحاسبوني على عشرين!

 صار الكل يتطلع للاخر مذهولا، هل هم امام معتوه ام قائد كما يشاع؟ هل هي منافسة على القتل، الم تكن الغاية من الجبهة لحقن الدماء!

 فجمعوا حقائبهم ورحلوا، ولم يسمح لاي صحفي من هؤلاء بالدخول لارض العراق فيما بعد، ليكون القتل والاعدام على رواق، كما يقولون. 

 الا تتشابه تلك الاجوبة او المواقف الثلاث، بتبريرها الغير منطقي، للمنافسة الغير شريفة لقتل الابرياء بلا سبب؟ فهل نسكت ام نواصل الصراخ ولو باضعف الايمان، لكشف الكذبوالاحقاد الغير مبررة ضد الشعب العراقي الذي صمد وصبر كل تلك العقود ولم ينتظر دعما من (الاخوة الاعداء)، الذين اغلقوا اذانهم وعيونهم عن معاناة العراقيين. بينما الشعب العراقي وقف معهم وناصرهم في كل قضاياهم؟

 فهل ارتكب جرما حين اراد الخلاص من صدام، بعد ان فاض به الكيل؟ أم لانه اراد اخراج المحتل عن طريق الانتخابات؟ وقد اعطى من الضحايا الكثير على مدى عقود الحروب المتواصلة.

 اتمني من القراء ان يسعفوني بجواب ما.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com