مقالات

المرأة والحب .. الزهرة و الشذى!

نزار جاف

nezarjaff@gmail.com

 

يقول العلامة الايراني"مرتضى المطهري"في كتابه"نظام حقوق المرأة في الاسلام"، (المرأة قد تنسى كل شئ لكنها لن تنس كلمة أحبك التي يهمسها زوجها في أذنها لأول مرة). أما الناقد الكوردي الراحل أوميد ئاشنا فله رأي جدير بالالتفات إليه حين يقول: ( الحب الرابطة الانسانية الوحيدة التي تجسد المحتوى الانساني للرجل أمام المرأة). فيما ترى الشاعرة"فينوس فائق" المسألة من زاوية أخرى حين تقول: (الحب هوالمرج الوحيد الذي يصبح فيه الرجل رقيقا و حساسا و يسمع ويتحمل عن طيب خاطر كل ماتقوله الانثى). وقد حاول البعض الخلط بين الحب و الجنس، ونحن نرى أن لكل منهما عالمه الخاص، ورغم أن الحب لابد من أن يقود في النهاية الى ممارسة الجنس، لكنه لايعني أنهما عين الشئ. ولعل الكاتب الفرنسي"أميل زولا" في رائعته"الوحل"، قد كان يعني هذا الامر تحديدا، وذلك حين جسد زوجين لايربطهما شئ ببعضهما سوى الجنس، حتى إن كل خلافاتهما تنتهي في الفراش و تبدأ بعد الإنتهاء منه، بل وأن زولا قد أنهى قصته بنهاية جميلة و معبرة حين قررا الزوجان أن ينفصلان نهائيا عن بعضيهما و يضعان حدا لجحيم حياتهما الزوجية، ويكون الوداع في النهر حيث يبتغي الزوج أن يركب قاربا و يغادر المكان، بيد أنه ماأن يبصر ثوب زوجته وقد إلتصق بسيقانها و طفقت مفاتنها تتجسد لناظره، سرعان ما يقفل راجعا إليها و يتشابكان في ضرام تلك الآصرة الوحيدة التي تربطهما معا حتى إنهما يغوصان في الوحل ولايشعران بذلك من جراء اللذة. ورغم أهمية الجنس بالنسبة للجنسين، فإن الرجل يكاد يكون هو القائد في تلك العملية والمبادر إليها دوما، وقد لاتكون المرأة بذلك المستوى من الاندفاع الذي يكون عليه الرجل، وحتى أن "أميل زولا" في القصة الساردة الذكر و في قصة"تيريزا و ركان" وكذلك بالنسبة لألبترو مورافيا في قصتي"إمرأتان" و"أنا وهو" يجسدان حقيقة أن مبادرة الرجل و شروعه دوما للهجوم والمباغتة. غير أن ذلك لايعني أن المرأة لاترغب في الجنس أو ترفضه، بل إنها تريد الجنس بذلك المفهوم المطروح في القرآن الكريم(فلما تغشاها...)، أي أنها تريد جنسا مكملا لذلك الفيض العاطفي الذي تنثره على من تحب من الرجال، والتغشية بالمعنى الذي تعنيه تلك الاية الكريمة"كما يورده الدكتور مصطفى محمود" هو أن يتداخل شيئان أو مادتان في بعضيهما من دون أن يفقدا خواصيهما كما هو الحال في تداخل غيمتان في بعضيهما. إلا أن القاصة"شارلوت برونتي" في تحفتها الرومانسية"مرتفعات وذرنج"، تظهر إحساسات الشخصية الرئيسية"هيتشموث" بصورة مغايرة تماما، فهو العائد للانتقام لكن الحب كإحساس شفاف بعيد كل البعد عن المسائل الجسدية يكون عالم آخر منفصل تماما عن عالم الانتقام. هيتشموث وإن كان يستطيع أن يحظى بكل شئ، غير أن الحب بمعناه الحقيقي"وهو أن يهب إنسانين روحيهما و جسديهما لبعضيهما"، يمنعه من تجاوز الحدود المثالية التي تعكس ذلك المعنى. وفيما يوحي شاعر الكورد الكبير"عبدالله كوران"الى مضامين في غاية الرقة و الجمال حين يقول:

"كنت أبتغي أن تظهر مكنونات النفس كالسجل

لتظهر الدنيا الاجمل من الربيع

لتظهر الاماني، الامال، الاحلام

المشعات كثر من نجمة القبة الزرقاء"

ولاريب أن كوران يرمي في هذه الابيات الشعرية المعبرة الى الحب، ذلك أن تلك المعاني السامية و النبيلة التي يشير إليها والتي هي كالزهور المتفتحة لتوها، لن تتواجد من دون أن يكون هنك المرج الاخضر اليانع الذي يمنحه أسباب البقاء و الحياة، وذلك المرج لن يكون قطعا سوى الانثى صانعة الحب و واهبة الوجود معناه الحقيقي و كنهه الواقعي. إن الحب كأسمى عاطفة إنسانية لاترقى إليها أية قيم إنسانية أخرى مهما بلغت من الشأن و القوة، بل أن الدين ذاته قد يكون معناه و غايته الحقيقية في الحب ذاته سيما حين يقول رسول الاسلام: (الدين هو الحب، والحب هو الدين). أما منظر الرومانسية الرقيقة الراحل"جبران خليل جبران"، فيلمح الى معنى قد يكون من البداعة و الروعة بحيث قلما نجد له نظيرا وذلك عندما يقول: (لاتقل أن الله في قلب العاشقين، بل قل أن العاشقين في قلب الله)، والحق أن مايشير إليه الحديث النبوي الآنف مع المقولة البديعة لجبران خليل جبران، هو كنه الحقيقة و معنى الوجود الانساني، إلا أننا نرى أن الحب وإن كان وجود الرجل شرطا أساسيا لإنبثاقه للوجود، غير أن القوة التي تمنح للرجل مثل هذا الشرط هي المرأة تحديدا. إن الرجل ببنيته و هيكله الخشن الحاوي على عقلية إستعلائية تظن أن مجرد إرتماء المرأة في أحضانه"أو تحته كما يحبذ معظمهم!"، تعني أن المرأة تأتي في المرتبة الثانية من بعده. هذا الكائن الخشن المشبع قساوة و جنوحا لممارسة كل أنواع التسلط و الجبروت، هو في حاجة ماسة في مقاطع مهمة من حياته كي يبعد عن نفسه غول القساوة و الوحشية السكن في أغواره، وهذا الامر لن يكون إلا عن طريق الانثى وعن طريق ذلك الرذاذ الحالم الذي يملأ وجدان و روح الرجل بهجة و يدعه يخلد الى الدعة و الطمأنينة لفترة رومانسية من زمن يصبح فيه الرجل كائنا محبا للوجود و الاشياء. إن المرأة حين تنثر لآلئ فيض إحساساتها من خلال آجم الحب، فإنها تدعو الرجل لترك محكاته لقسوة الواقع الموضوعي و العودة الى ذاته كإنسان، وأننا نرى الدكتورة نوال السعداوي حين تقول أن"الانثى هي الاصل"، فإنها محقة بهذا المعنى الذي نلمح إليه، إذ أن أصل الوجود الانساني مبني على الحب وليس على أي شئ آخر. وأن الكاتبة"غادة السمان" حين تكتب قصتها"أعلنت عليك الحب"، فإنها تعلن الاصل على زيف الرجل فيذهب الزيف جفاءا ليبقى الاصل خالدا! أن المرأة كانت في كتاباتها تميل الى التكيد على خصوصية نظرتها لمسألة العواطف و الاحاسيس الانسانية وترى فيها الضمانة الوحيدة لإستمرار الحياة ولولا ذلك لما رحبت القاصة الفرنسية الراحلة"فرانسواز ساغان" بالحزن ورأت في فيض إحساس الحزن تجليا و إنعكاسا للحب الذي يريد الرجل من خلال الحضارة التي بنيت على فكره الرجولي أن يقصيها من دائرة الوجود الانساني ليحل محله أشياءا و مفردات اخرى منها تلك الاباحية التي يظن"مرضى العصر من رجال حضارة تتجه للجنون"إنها تجسد غاية ماتريده المرأة من الوجود! وقد تكون"سيمون دو بوفوار" مقتربة كثر من تشريح واقع و ماهية هذه الحضارة حين تحاول في رائعتها"قليل من الشمس في وعاء ماء بارد"، أن تقول للعالم أن فيض الاحساس الانثوي المتمثل في تلك العاطفة الجياشة هو الاخر آيل للإنخماد ذلك أن الرجل"أو وعاء ماء بارد كما تصوره دوبوفوار"لم يعد تنفعه تلك الحزمة الضئيلة من شعاع شمس بات يبتعد عن كوكبنا المثقل بالاحزان و الهموم، وإن دو بوفوار تريد أن تقول أن هذا القليل من الشمس"أو الانثى ذاتها"، ليس بوسع ذلك الوعاء من الماء البارد أن يخزنه في جوانحه المتخمة و المشبعة بردا، وبذلك فإن الفناء سيكون مصير ذلك القليل من الشمس! إن صاحبة سارتر تحاول أن توصل رسالة خطيرة في معناها الرومانسي حين تلمح من خلال عدم الجدوى الى حقيقة أن الانثى تشعر بالاختناق و الموت البطئ إذا ما فتحت عينيها ذات يوم على عالم لاتجد فيه من يستأنس و يقبل بحبها.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com