مقالات

المرأة وصداقة الرجل..النار و الهشيم!

نزار جاف

nezarjaff@gmail.com

 

مهما سعت المرأة و بذلت من مجهود إستثنائي لإسباغ المزيد من القوة على شخصيتها، فإنها لن تستطيع عبور حاجز الانوثة التي تلازمها كملازمة الحركة للحياة. هذا الرأي الشائع كان يردد بين مختلف الاوساط ولاسيما عندما يتعلق الحديث بحرية المرأة أو حتى مجرد توسيع دائرة تحركها الاجتماعي. والذي كان يمنح أبعادا أعـمق لهذا الرأي المحافظ، هو ذلك المنظار الاجتماعي الضيق الذي كانت توضع في دائرته شخصية أية أنثى تمارس قسطا أوفر و أوسع من الحرية في علاقاتها الاجتماعية وتسعى لكسر الطوق المفروض عليها بأن تكون صداقتها محصورة بقرينتها فقط. وإذا كنا نقرأ في العقود الاربعة الاخيرة من الالفية السابقة بخصوص شخصيات مثل فرانسواز ساغان و سيمون دو بوفوار و أخريات مشابهة لهن، فإننا كنا دوما نتذكر البون الشاسع الذي يفصل بين واقعنا و الواقع الغربي المتطور. وحين كنا مثلا نقرأ مقالة تتحدث عن كيفية ممارسة رفيقة سارتر"أي دو بوفوار"لأوسع مدى ممكن لحرياتها الانسانية وكيف أنها كانت تروي لسارتر مغامراتها العاطفية مع طالب لها، وكان سارتر"بحسب مايروون عنه"يستمع وبكل شغف الى تلك المغامرات وكأن الذي يروي الامر هو رجل آخر وليس أنثى! في ذلك الزمن، لم يكن من السهولة حتى مجرد تصور حدوث مثل ذلك الامر في واقعنا، لقد كان كثر إستحالة حتى من الحلم ذاته! صحيح أن الكثير من المثقفين حاولوا كسر ذلك الحاجز الغابر بين المرأة و الرجل وسعوا جاهدين لمنحها مساحة كبر لتحرك بغية كسر طوق الاعراف الاجتماعية التي تطبق على حريتها بكل قسوة، بل وأن البعض من المثقفين حاولوا بصورة فعلية من خلال جهد فردي أن يقدموا المرأة كإنسان متكامل و مساو للرجل من كل الجوانب، وأتذكر كيف أن الشاعر الكوردي الشهيد"دلشاد مريواني"، كان يجالس زوجته"شيرين ك"في حانات مصيف سرچنار بمدينة السليمانية في السبعينيات من القرن المنصرم، وكان ذلك بمثابة تقليعة جديدة لم تكن مألوفة من قبل في ذلك الوسط المحافظ. إلا أن ذلك الجهد الفردي"برغم أهميته"، لم يكن كافيا لتحطيم جدار الرفض الاجتماعي لعلاقة الرجل بالمرأة خارج دائرة الزواج. وظلت مسألة الصداقة بين الجنسين إشكالية تتداخل فيها العديد من الاعتبارات الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية، وبرغم أهمية العوامل الآنفة من حيث ترابطها الجدلي في التأثير على جوهر تلك المسألة، إلا أنها تدور جميعها حول محور "سيادة الرجل"، الذي يمثل العقبة الكأداء في وجه أية محاولة لتغيير شكل و مضمون معادلة العلاقة بين الرجل و المرأة والتداعيات التي تتمخض عنها. وإذا كان الشاب الشرقي"وحتى الرجل"، بسبب من عامل الكبت الجنسي الذي يفرضه الواقع الفكري ـ الاجتماعي لا يستطيع الفكك من عقدة العامل الغرائزي في أية علاقة صداقة مع الانثى، فإن الانثى لاتنظر إطلاقا للمسألة من تلك الزاوية الغرائزية وإنما من زاوية مغايرة تماما من حيث المحتوى الانساني، إذ أنها تسعى من خلال ممارسة عملية الصداقة مع الجنس الآخر أن تثبت ماهيتها الانسانية وغلبة تلك الماهية على العامل الجنسي. وحين نقول أن المرأة تحاول أن تثبت ماهيتها الانسانية من خلال الصداقة مع الجنس الاخر، فإننا نرمي الى كسرها الحواجز الوهمية المفروضة عليها وممارسة مساحة أوسع و أشمل للحرية الواقعية التي يجب أن تتمتع بها. والحق أن الانثى كما في حالة الحب تحاول مد وشائج العلاقة مع الجنس الاخر على أساس روحي شفاف يرفل بالوجد و يطفح بالاحاسيس الانسانية الجياشة ولايشكل العامل الغرائزي إلا مساحة ضيقة تكاد تكون محاصرة في أفق تلك العلاقة، فإنها في حالة علاقة الصداقة مع الجنس الخشن تحاول ممارسة قدرا كبر من العقلانية في تعاملها مع الرجل بعيدا عن مفرداتها الانثوية التي تستخدمها في الحب وتحاول إستخدام مفردات عاطفية جديدة لا تنبع من آجم أنوثتها بقدر ماتفيض من أعماقها كإنسان تسعى من خلالها الى تصحيح إطار نظرة إجتماعية ـ فكرية مشوهة لمبدأ العلاقة بين الجنسين خارج القفص الزوجي. وقد لاتكون إشكالية مسألة الصداقة بين الجنسين مرتبطة بفترة أو مرحلة محددة من عمر و حياة الانثى، ذلك إن تلك الإشكالية قد تظطرد و تتخذ أبعادا أعمق عندما تتزوج الانثى و تصبح في عصمة رجل كما هو معروف، فبعد الزواج قد تكون حالة عادية نوعا ما أن يقول الرجل لزوجته أن لديه صديقة في مقر عمله، إلا أن تلك الحالة تتخذ طابعا آخرا حين تنقلب المعادلة، أي تكون للزوجة صديق في مقر عملها، فذلك أمر سوف يحاط بألف سؤال و سؤال ناهيك عن الشروط الصارمة لإستمرارها فيما إذا سمح بذلك. إن أساس التوجس الاجتماعي من الاقرار بعلاقة الصداقة بين الجنسين يكمن في السبب الاخلاقي"بالمفهوم الرجعي لنظرية الاخلاق"، إذ أن المقولة المشهورة"ما إجتمع رجل و إمرأة إلا وكان ثالثهما الشيطان"مازالت تسحب نفسها بقوة على العقل الجمعي للمجتمعات الشرقية. ولعل إستطلاعات الرأي التي أجرتها العديد من المنابر الاعلامية العربية قد أثبتت بوضوح طغيان حالة عدم الثقة بإطلاق النساء لممارسة حرياتهن الاجتماعية بل وقد كدت الغالبية العظمى من المشاركين عدم إيمانها أساسا بمبدأ المساواة بين المرأة و الرجل! من هذا المنطلق، كانت قضية الصداقة بين الجنسين مسألة مازالت بحاجة الى المزيد من البحث و التقصي وهي تمشي بذات الوتيرة البطيئة التي يتم فيها إقرار حقوق المرأة في العديد من البلدان المحافظة في المنطقة. وعلى الرغم من قوة تأثير العامل الفكري ـ الاجتماعي في قضية تحرر المرأة و مايتفرع عنها، فإنه لامناص من الاقرار بها كحقيقة واقعية على الارض و العمل في ضوء ذلك. إن المسألة بحاجة الى فتح المزيد من المجالات و الافاق التي تتيح للانثى التمتع بالمزيد من الحرية ذلك أن معالجة الامر الواقع لايتم إلا بما يقابله أي أمر واقع أيضا. وإن"التنظير" أو التأمل و الانتظار والتمني لاتكفي لحل مشكل المرأة إن لم يتم إستشفاع ذلك  بخطى عملية جادة على أرضية الواقع الاجتماعي للوقوف بوجه حالة الانغلاق التي تغذيها أطراف معينة لغايات سياسية ـ فكرية واضحة تخدم جميعها النظام الفكري ـ الاجتماعي المتخلف السائد.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com