مقالات

نظرة للوعي السياسي والتغيير في العراق الجديد

المهندس غريبي مراد عبد الملك / الجزائر

islamo04@hotmail.com

بين الأمس واليوم يعيش الإنسان العراقي حالة التغيير.لكن بعد هذه الانتخابات الأخيرة أمله كبير في أن تتقدم وتصلح حياته ويستقر اجتماعه ويسترجع عافيته وأمنه أكثر.

بل إن المتجول بالأحياء الشعبية العراقية يلمس، روحية العراقي المؤمن الذي ينظر إلى المستقبل بنور التغيير ومجاهدة الفساد بكل أشكاله، فيجد ويشهد ويغير.. فهو كما رأى وناضل في الماضي طغيان الساسة وازلامهم، لازال شاهدا على الحاضر ومعاهدا للمستقبل، على أن لا يقلص نفسه وجهادها وصمودها ويختصرها على حالة الاستضعاف التي عاشها ويعيشها ويلمسها كل يوم في الإجرام الوحشي الذي يقتل أبناء العراق الأبرياء.

 لأنه عبر الزمن العربي والإسلامي هناك ألف طاغية وطاغية ومنهم من يتستر بلبوس الدين وآخر بلبوس الثقافة والديموقراطية وثالث بزي الوطنية السمحة، باختصار إن هناك مشاريع طغيان بين ظهرانينا.

 

إذ نجد في كلام ضرار لمعاوية، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وصفاته، ألف عبرة لقادة الواقع التغييري في العراق حيث قال:" والله كان بعيد المدى.. فكانت نظرته نظرةً إلى الأمام دائماً '، كلامه صحيح مليون ألف مرة، كون عبارتي " بعيد المدى" و"الأمام" تحملان أسرار عظيمة،و هذا حق أشهد معاوية به، لكن موقف معاوية لم يستقيم فكان له بئس المصير، من هذه الواقعة، نسترشد الى انه كفانا نظرا عند أرجلنا وللأبطال الوهميين، الذين عموا أبصارنا عن الأبطال الحقيقيين والبطولات والحقائق والتطلعات والمناهج القويمة، حتى عطلوا إعادة بناء العراق بالسياسة المثلى إن العراقي لابد أن ينظر إلى الزمن البعيد، ويعمل لاجتثاث كل الأمراض السياسية حتى يكون من المستقبل بإرادة ومن الإصلاح والتغيير بقوة ويقين.

 فمثلاً؛ نجد ألمانيا. حرصت كل الحرص على أن يكون لها شأن في الخريطة الجيوسياسية وفي التركيبة الأوروبية، حيث فكر واضعو استراتيجياتها بأن لو انحسر حراكهم في الكلام وتبادل التهم والخصام والمعارضات والمزايدات والمؤامرات، لن تنال ألمانيا طعم الحرية أبدا، ولن تبلغ عنوان الكرامة. بل عملوا أساسا على تحديد المعايير الرئيسية للتغيير وهي التعبئة السياسية والوفاق الوطني.. بينما السمة الأساسية لمعظم الأمم العربية التحديق بالأبطال والزعماء ورفع اللافتات الولاء والبراء، ناهيك عن الهذيان السياسي والصفقات الإدارية، وبالتالي تتضرر هذه الأمم من جراء الطفولة السياسية والجفاف الإنساني وفقر النباهة الذي تعاني منه النخب السياسية.

و كذلك لنا في الدول الاسكندنافية نماذج ملفتة للانتباه بخصوص الإرادة السياسية والإبداع الثقافي لحفظ العزة والكرامة الأممية.. إنهم فكروا في الضياع من جهة، واحتمال فشل التغيير من جهة أخرى. مع تجنب المعوقات الذاتية والملابسات الخارجية وما هنالك من عناوين الإجهاض السياسي، حتى ضمنوا لشعوبهم حياة إنسانية كريمة، واقتصادات وطنية زاهرة بعيدة نوعا ما عن التقلبات الدولية...

 وهناك نموذج آخر،أمر وأخطر، إنه الكيان الصهيوني، ومناعته السياسية، التي انبهر أمامها الساسة العرب -حتى عمد عزيز مصر لتهنئة مجرم صبرا وشتيلا بتأسيس حزبه الجديد- زد الى ذلك قدرة هذا الكيان الغاشم على الحفاظ على الاستقرار السياسي، رغم كل المعطيات الاقتصادية السيئة لمجتمعه والتقلبات السياسية الحاصلة داخليا وإقليميا، وفي وقت يفتقر فيه لأدنى شروط الاستقرار من جراء الانتفاضة المباركة والمقاومة الإسلامية بالجنوب اللبناني والإرهاصات الإيرانية وفضائحه المخابراتية عبر العالم، رغم كل هذا نجد الشيطان الأكبر يوزع الأدوار السياسية وغيرها ويعتو فسادا في الأرض كما يشاء ويقتل الفلسطينيين والمسلمين ويغزو الدول بمندوبين عنه، نجده رغم هذا كله، أكثر إحكاما لزمام شأنه السياسي،و تشييدا لمزاعمه التلمودية وأكثر تجسيدا لأسطورة شعب الله المختار، بينما أممنا قابعة أمام الفضائيات تبكي على القدس وجنين وقندهار والعراق ولبنان وسوريا وهلم جرا وتستنكر لأن السيئات عظام والجاني بريء والمجني عليه صامت فالصمت حكمة قليل فاعله...؟.

إن التغيير عموما هو: أن يساهم كل فردٍ من الأفراد في تحقيقه وبنائه كما تبنى البيوت وصيانته والدفاع عنه ببعث الوعي السياسي الجريء والناصح.. على العكس تماماً من التخلف السياسي العربي والإسلامي(نستثني المواقف الإيرانية) المنهزم أمام القرارات الجائرة راهناً.

 على العراقي أن يعي ويدرك تمام الإدراك أهمية النباهة بالنسبة لمستقبل حياته ( السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية...)، كما يدرك ويعي حاجته الماسة إلى العدالة السياسية، والشورى الوطنية، والعبرة السياسية ليتقوى بهذا كله على الطغاة والعملاء وتجار المقاعد...و ما هنالك من بني أمية وبني العباس المعاصرين.

ثم أن التفكير في الحراك السياسي الرسالي ومشتقاته، هو من بوادر التغيير والإصلاح القويمينً... حتى لا يتأثر العراقي بالدعايات وينساق وراء الشائعات أكثر من معاينته الرصينة والدقيقة للعملية السياسية والمطالبة بالإجراءات الصارمة والمتابعات القضائية.

 إن الوعي السياسي يعني الإصرار على البناء السليم للمستقبل، كما يعني ويعكس الرغبة الجامحة للشراكة السياسية للعراقي في الحاضر والمستقبل ورصد التطورات والكواليس السياسية.

 وعلى حد قول آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي في إحدى محاضراته بمدينة كربلاء المقدسة:

"... أحد أهم المسؤولية الملقاة على عاتق أبناء العراق هو أن يفكروا ويخططوا لبناء بلادهم على أسس ثابتة ورصينة ودقيقة تتحقق عبرها الفائدة للمستقبل..."

 ومن هذه الأسس ما يقوله ربنا الحكيم في محكم تنزيله :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء: 59

و لنركز على مسألة ذات أهمية بالغة في هذا السياق القرآني وهي :

 (إِنَّ الاَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يشاء مِنْ عِبَادِهِ)(الاعراف/128)

 ومعروف لدى المفسرين أن كلمة (العباد) إنما جاءت في الصالحين

 (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)(الفرقان/63)

 ثم يجب التنبه إلى أن كل ما نشهده يدخل تحت إطار (إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغاً لِقَوْمٍ عَابِدِينَ )

فحريٌّ بالعراقي وكل إنسان مؤمن صادق وداعي أن يطلب إلى ربه الكثير والكثير من كرمه وجوده، دونما شك بأن العزة والكرامة من الله واليقين برحمة الله الواسعة..

فليدعوا كل المسلمين بإصلاح أمور العراق وكل بلاد المسلمين، وهدي الساسة، ورفع الفتن والإرهاب عن المسلمين، وإذلال طغاة الأرض، ونصرة المستضعفين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المؤمنين الصادقين الصالحين.

"اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة. اللهم ما عرفتنا من الحق فحمّلناه، وما قصرنا عنه فبلغناه".

 نسأل الله سبحانه وتعالى الاستجابة لنا جميعاً، وأن تسمو نفوسنا على معرفة الله ومعرفة أوليائه، وأن يجعلنا من الهداة المرضيين والتابعين للنبي وأهل بيته عليه وعليهم السلام في حياتنا الأولى والآخرة، وأن يتقبل أعمالنا ويمحو عنا سيئاتنا إنه ولي التوفيق.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com