مقالات

 

الأدب النسوي مصطلح لتهميش إبداع المرأة 

فينوس فائق

venusfaiq@yahoo.co.uk

بكل أسف علي القول بأن تأريخ منطقتنا الموبوئة بالحروب ومخلفات الأنظمة الدكتاتورية والتخلف الإجتماعي وغلبة العقلية الدينية المتخلفة الداعية إلى طمس شخصية المرأة خلف جدران سميكة من الممنوع وغير المرغوب والتابوات والعيب و...الخ، تلك المنطقة المصابة بكل أنواع الصدأ الفكري والتكلس الأخلاقي والحضاري وكافة الأمراض التي هي من ترسبات الإرهاب الأسري وإرهاب الشارع والإرهاب الفكري والسياسي والديني والإنساني على كل الأصعدة، بكل أسف أقول أن تأريخ تلك المنطقة تأريخ مذكر وخشن وذو شعر كثيف، وهذا ما يساعد وبسهولة على ظهور وتنامي الإتجاهات الفكرية التي تعمل وبإلحاح على تهميش دور المرأة في المجتمع، هذا الكلام ليس الهدف منه ترسيخ فكرة محاربة الكائن الذي يسمى بالرجل، وإنما الهدف منها محاربة الفكر القائم على مبدأ الذكورة وكل ما يمت لها بصلة من مباديء ومفاهيم فرعية أخرى شوهت معالم الحياة الحضارية في الشرق بكل معانيها، ففكر الذكورة والمجتمع الأبوي لا ينحصر على الرجال فقط، فهناك الكثير من النساء ممن يفتخرن وبشدة بحملهن تلك الأفكار التي تدعوا إلى طمس المعالم النسوية وسمات الأنوثة وكأنها جريمة، الكثير من نسائنا للأسف يجسدن تلك الأفكار بشكل وبآخر بقصد وبدون قصد، فالتفكير والعقلية الرجولية التي تتغلل في نمط حياتنا وتسيطر على العقول ليس المتهم الوحيد من وراء بروزها وتجذرها هو الرجل، فهناك من النساء ممن يساعدن ويوفرن الأرضية المناسبة لظهور ونمو تلك الأفكار في هذا الزمن من التطور والتقدم والحضارة، غلى درجة مطالبتهن بالعودة إلى داخل المطبخ والتخلي عن حقوقهن التي غيرهن يقاتلن من أجل نيلها، الداهية الأكبر هي أن الفكر والعقلية الرجولية تصبح جزءاً من ثقافة مجتمعنا تقتدي بها المرأة نفسها بدون وعي منها، خصوصاً مع ظهور المد الديني المتخلف الذي يتغذى من السياسة ويتقوى بالإرهاب، فمجتمعنا مع وبدون تلك الأفكار مازال مجتمعاً متخلفاً ويضع المرأة ونتاجاتها في كل الميادين في الهامش ويتعامل مع كل القضايا بمنظار رجولي صرف ويقيس كل الأمور بمقاييس ذكورية وحتى أنه يبتكر الحلول الذكورية لكل المشاكل والقضايا التي يعاني منها المجتمع لحد الآن..

لا أحب أن أضفي صفة المطلق على مثل هذه الكلام، لكن كلما تعمقت في النظر في تلك الحالة وجدت نفسي أصاب بالذهول، بل بالغثيان من بعض الأفكار التي تتجاهل دور المرأة في المجتمع وخصوصاً تلك الأفكار التي تتجاهل النتاج الأدبي النسوي، فتلك الإتجاهات الفكرية التي يمثلها الرجل تحاول تارة تهميش أدب المرأة، وتارة تشويهه وتارة وصفه بأنه أدب ضعيف ولا يرقى إلى مستوى أدب الرجل..

و تكمن الخطورة في مثل هذه الممارسة الرجولة في أن يصبح فعل (التهميش والتجاهل) لأدب المرأة والنتاج الأدبي النسوي جزأً من القاموس الفكري الرجولي وجزأً من ثقافته التي يتسلح بها ويواجه بها العالم ويعرف العالم الخارجي من خلاله بأدب مجتمعه، وأن يتحول بعد ذلك إلى أرث عقلي وفكري يحتذي به الأجيال، وأن يتحول إلى طقس من طقوسه الثقافية والأدبية والفكرية ويجسدها بدون وازع من ضميره الإنساني .. ومن إفرازات هذه الحالة المرضية لدى مجتمعنا المتخلف هو أن البعض من رجال المجتمع يصل بهم الحال إلى إطلاق كذبة وتصديقها بمرور الزمن، ألا وهي أن دائماً هناك رجل وراء نتاج المرأة، وكثيرة هن النساء الأديبات اللائي لاحقتهن مثل تلك الشائعات في فترة من الفترات من تأريخهن الأدبي، ولكي يسلبوا صفة الإبداع وينزعوها عنها أطلقوا مقولتهم الفارغة أن وراء كل رجل عظيم إمرأة، وذلك محاولة منهم لكي يثبتوا أن العظمة للرجل فقط بإبداعه وإن كانت المرأة عظيمة فبوقوفها وراء الرجل وليس لأنها إمرأة وبإمكانها أن تبدع..

و لإن تلك الحالة المرضية هي ناتجة عن عقدة هي أن غالبية رجال الشرق تنتابهم المخاوف وحتى إن لم يعترفوا بها ففي عقلهم الباطن من المرأة المتفوقة، ويشعرون بالخطر وكأنهن سيسحبن البساط من تحت أرجلهم. هذا ناتج عن عقلية مجتمع لا يعترف بقدرات المرأة على مر الزمن ويحاربها بكل الوسائل ليظل هو سيد كل الميادين بدون منازع، ففي مجتمعاتنا الذكورية كان ولحد الآن النتاج الأدبي النسوي من النتاجات التي غالباً ما ظلت مهمشة، أما النتاج الأدبي الرجولي هو الذي تناقلته الأجيال ودرسته وتمت الإستفادة منه، وغالباً ما ذكر النتاج الأدبي النسوي كجزء تجزأ من الأدب الذكوري، وفرع من أصل، في حين أن الأدب النسوي كغيره من النتاجات الإنسانية لا يقل في شيء عن النتاج الأدبي الذي ينتجه الرجل ولا يختلف عنه سوى في أنه كتب بقلم إمرأة.

من الممكن إعتبار هذه الحالة عند رجال مجتمعاتنا الشرقية حالة سايكولوجية ناتجة عن ممارسة الظلم والقهر ليس ضد المرأة فقط وإنما ضد الرجل أيضاً ولكن دون أن يشعر، فالرجل في مجتمعاتنا مقيد بالكثير من القيود الإجتماعية والدينية والطقوس والعادات والتقاليد ...ألخ والعلاج لا يكمن في تحرر المرأة من تلك القيود بقدر ما يكمن في تحرر الرجل نفسه من تلك الأفكار والأوهام التي باتت تقيده وتسيطر على عقله وتسيره .

و من أجل ذلك ظهرت محاولات لإبراز شأن المرأة المدبعة من قبل الكثير من النساء لكن للأسف بالطريقة الخطأ كأن إبتكرن فكرة خان بإسم (الأدب النسوي) تخص النتاج الأدبي النسوي والذي بتقديري لا يحل الإشكال بقدر ما يعقده، حيث المفروض بي أن لا أطالب بالتقوقع داخل خانة أخرى تعزلني عن خانة الأدب الإنساني وعن أن أبدع على الأرض الأوسع الذي يقف عليها الرجل، بل ما أحتاجه هو أن أنتزع الإعتراف بأدبي على أرض الأدب الإنساني الواسع نفسه وأن أحارب الرجل بنفس الكلمة التي يحاربني بها وفي نفس المنطقة التي يقف عليها، فهذه هي الوظيفة بالتعريف بأدب تنتجه المرأة داخل المنظومة الإنسانية الواسعة، وإعتراف الرجل بهذا الأدب وإنتزاع إعجابه به وإعترافه به في آن واحد، فالإعتراف الذي يأتي قسراً يختفي فجأة، والإعتراف الذي يأتي عن إعجاب هو الذي يبقى ولا يزول ولا أظن بأي حال من الأحوال أن عقلية الرجل الشرقي يقبل بمثل هذا التنازل، إلا القلة القليلة منهم.

و من هنا علي الإشارة إلى هناك ثلاثة أنواع من الأدب الذي تنتجه المرأة أحياناً، أولاً الأدب الذي تنتجه من أجل أن تشارك في إنتاج أدب إنساني بدون أن تشغل نفسها بالصراعات الجنسية وتأثيراتها السلبية على نتاجها، وثانياً الأدب الذي تحارب به الرجل والعقلية التي تعمل على ترسيخ فكرة تهميش وتجاهل النتاج الأدبي النسوي، وثالثاً الأدب الذي تخدم به جنسها وتعزل من خلالها نفسها من العملية الإنسانية الكبرى والذي يعود عليها بالسلب غالباً أكثر مما يعود بالإيجاب.. وللأسف أقول أن مبتدع فكرة ومصطلح الأدب النسوي لم تكن المرأة وإنما الرجال الذين لا يؤمنون أصلاً بإبداع المرأة ويتخوفون منه، فهناك أدب عربي وإنكليزي وأدب كوردي، أدب العمال، أدب الأطفال وأدب المقاومة، الأدب السياسي ..ألخ، وقد كتبت المرأة في كل هذه المجالات بدون إستثناء، فما الداعي أساساً لتجزئة أدب المرأة على أساس الجنس وتهميشها وإخراجها من تلك الخانات الآنفة الذكر قسراً، أم هل سيتم تقسيم الأدب النسوي أيضاً على تلك الخانات فنزيد التعقيد تعقيداً .. والمشكلة لا تكمن في أن الرجل هو صاحب الفكرة الأولى في إختلاق هذه الخانة وحبس الإنتاج النسوي فيها وعزله عن الإنتاج الأدبي والثقافي الإنساني الأشمل وإنما الطامة الكبرى هي تصديق الكثير من النساء تلك الكذبة الكبيرة والمشي وراء دخان إسمه (خانة الأدب النسوي) وسرعان ما تكتشف أنها دخلت خانة التهميش والعزلة الثقافية التي كرسها الرجل والعقلية الذكورية في المجتمع من أجل طمس معالم النتاج الثقافي للمرأة. حتى يصل الأمر إلى تنسيب غالبية النتاج النسوي إلى رجل يقف وراء المرأة المبدعة وكثيرة هي أمثلة النساء لاحقتهن مثل تلك الشائعات ووقفت النساء صاحبات الشأن ساكتات ولم يدافعن، وحوربن إلى درجة التخويف والإنسحاب ..

من هنا تكون عملية التجاهل والتهميش عملية حقيقية ومدروسة ويجب التعامل معها بذكاء وقوة وليس بعزل النتاج المهمش من قبل الرجل في خانة خاصة بها، فالتأريخ للأسف مذكر والقلم مذكر، غير أن الكلمة مؤنث، لكن من سيحمل القلم ويسجل التأريخ في منطقتنا الموبوؤءة بالحروب، مؤكد أنه الرجل، ومن المؤكد أنه لن يرحم المرأة إن لم ترحم المرأة نفسها منذ البداية تحترم أدبها وتدمر تلك الخانة التي إبتكرها الرجل ليهمش ويتجاهل فيها أدب ونتاج المرأة الثقافي..

 

-------------------------------------------------------------

عندما نتكلم في مثل هذه المقالات عن الرجل لا يعني بالضرورة أننا نحارب الرجل ككائن وإنما نحارب الفكر الرجولي المتخلف، فالفكر الرجولي المتخلف ليس حصر على الرجل فقط وإنما هناك الكثير من النساء اللائي يحملن ويجسدن تلك الأفكار والتي يستفيد منها المجتمع من أجل وضع المزيد من القيود في رقبة ومعصم المرأة والعقلية المتخلفة التي تكرس تجاهل إبداع المرأة في كل المجالات..

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com