مقالات

امراض في بلادي

صبيحة شبر

sabiha_kadhum@hotmail.com

تورمت قدماي مؤخرا ، واشتد الألم على أنحاء متفرقة من جسمي ، أبعدت شعوري بالألم ، وحدثت نفسي انه وقتي لابد أن يزول ، وأنني يجب ان أوطن نفسي على إبعاده عن فكري ، وأنني يجب ان أكون قوية بدرجة كافية كي ابعد شبح الآلام الذي يحاوا ان يسيطر على قلبي ، ويحيل حياتي الكئيبة إلى سواد فاحم ، وانه علي ان أتعايش مع الآلام ، وأتصالح مع الأوجاع ، فان الذين يرحمونني ، ويعطفون علي ، ويرأفون بحالي قد ابتعدوا عني الواحد تلو الأخر ، في بقاع عديدة ، من أنحاء معمورتنا المثقلة بالجراح ، وبعضهم قضت على حياته السكين الحادة البتارة التي يستعملها الحاكم الدكتاتوري مع المناوئين له ،، او الذين يتخيل أنهم يعادونه لسبب من الأسباب لأنهم لم يحسنوا الكلام عنه بأسلوب جميل جذاب ،، يطنب في وصف مناقبهم والتغني بأمجادهم التي أكثر المداحون في وصفها واطالوا الحديث عنها ،،، قضيت حياتي وأنا أحاول السيطرة على جراحي ، والتغلب على أحاسيسي الممضة بالحرمان وأنني اضطررت الى مفارقة الأهل والأحباب ولم اجن ذنبا او اقترف إثما ، بقيت صامتة ساكتة ادلو  بدلوي بالأمور التي أخشى من إبداء الرأي بها وما أكثرها من أمور تبدأ بالسياسة وتمر بالأدب والفنون وعلم الاجتماع وغلاء الأسعار ووضع الإنسان المناسب بالمكان المناسب ، استمر امتناعي عن الكلام ، حتى ظن الجميع أنني لا افهم شيئا ولا أحسن من أمور الدنيا ،، فنا من الفنون ،،او نوعا من العلوم وأنني اعمل ما من شأنه أن يبقيني بالحياة ويقيم أودي بالشيء الكفاف ، انتهي من عملي خارج المنزل لأسارع بالعودة الى أعمالي الأخرى المتعددة داخله ، فانا لا اقل عن بنات حواء الأخريات مهارة ،، في فنون الطبخ والتنظيف والكوي  ،،والتسوق وغسل الملابس ، فانا كبقية بنات جنسي المغلوب على أمره لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب ، فعلي ان اجتهد واعمل كي اوفر رغيفي ، ولا انتظر ان اعتمد على احد ليعينني  ،، في تحصيل رزقي ، فقد رحل الذين أحبهم ويبادلونني الحب الى المنافي والبعض الأخر افترسته المقابر الجماعية وغيبته داخل أفواهها المفتوحة باستمرار يقول لها السائل الا امتلأت فتجيبهم بإصرار : ألا من مزيد ، الرجل الوحيد الذي أحببته قضي نحبه على اثر حكم بالإعدام صدر بحقه ولا ادري حتى هذه الساعة ، هل نفذ به الحكم حقا ام انه مات بفعل التعذيب  ؟ كما ذهب العديد من ابناء وبنات شعبي المثقلين بالجراح

 لم استطع الاستمرار بانكار ألمي  ، وتجاهل متاعبي الصحية ، فقررت أخيرا ان أضع حدا لتلك الآلام المتفاقمة التي لم اقدر على التعايش معها  وان اذهب الى الطبيب عله يصف لي الدواء الشافي الذي يضع حدا لمتاعبي ، ما ان فحصني الطبيب حتى وجد انتفاخا بمنطقة الصدر ، نصحني ان اجري تحليلا لمعرفة الأسباب المؤدية لذلك الانتفاخ وأكد لي مرارا ان فكري يجب الا يذهب بعيدا ، فليس كل انتفاخ خطيرا ، وانه ينبغي ان اطرد الخوف والقلق من قلبي  ، وان ابتسم للحياة ، ذهبت فعلا للمختبر وأجريت اللازم من الفحوصات ، وعندما اطلع الطبيب عليها  قال لي مؤكدا انه ورم حميد ، ولست ادري ما معنى الورم الحميد ؟

الألم اخذ يتزايد ، والقلق يفترسني ، ويسلب مني السكينة والشعور بالطمأنينة ، ذهبت الى طبيب اخر وانا امني النفس ان يتمكن من تبديد ألمي وتخفيف معاناتي ،،،،

فحصني الطبيب وأوصاني بضرورة عمل التحليلات مرة أخرى للتأكد من سببها متجاهلا إنني تمكنت بشق النفس من توفير ثمن التحليلات الأولى ، فكيغ أتصرف مع التحليلات الثانية ؟ استعذت بالله العلي العظيم من شر الشيطان الرجيم ، واستلفت نقودا من بعض الأصدقاء الذين لم تستطع المصاعب التي عاشوها ان تقضي على طيبتهم ومشاعرهم الدافئة التي تدعوهم الى نصرة الآخرين والوقوف بجانبهم

عملت التحليلات المطلوبة ، وذهبت الى الطبيب الذي ما ان قرأها واطلع عليها ، حتى اخبرني أنني مصابة بالمرض الخبيث ، وانه لابد من إجراء عملية لاستئصال الورم الخبيث من الثدي ، دفعت تكاليف العملية بعد ان ساعدني احد الطيبين في الحصول على المبلغ على ان أسدده في وفت يسري ،   لم يفارقني الألم بعد إجراء العملية ، فباعت شقيقتي  منزلها الذي ورثته عن المرحوم زوجها  ،،، وعملت لي التحليلات التي أكدت ان المرض مازال ملازما لي يأبى مفارقتي ، وان الأطباء المهرة غادروا العراق بعد ان طالتهم يد الإرهاب وقتلت من استطاعت  ،، وشردت الآخرين  ،،، وأبعدتهم عن جنة الوطن الحبيب الى جحيم المنافي   ،،،البعيدة المنتشرة في بقاع الارض والتي يحرم فيها المرء من الدفء والحب والحنان

غادرت بلدي الحبيب ميممة شطر الأردن الشقيق ، حيث يحظى المريض بالرعاية الضرورية المناسبة للعلاج ويعطى الدواء كاملا وليس ناقصا ، اذ انه في بلادي الجريحة حيث الاحتلال ، لايمكن للمريض ان يشفى لان قنينة الدواء الموصوفة لمريض واحد تقسم على ثلاثة أشخاص وتباع لهم بالوقت نفسه ولكنها بالحقيقة توزع على ثلاثة ، فيأخذ كل مريض ثلث الدواء ، وهو يدفع أحرة القنينة كاملة ، ولا يتمكن من العلاج حتما لأنه لا يتبع تعليمات الطبيب

راجعت في الأردن عددا من الأطباء ، نصحوني ان أتوجه الى طبيب معين   ،،،مشهود له بالكفاءة قادر على جعل المرض  ،، يقف عند حده في جسدي ، ولا يسير في أنحائه كما يشاء ، ما ان راني الطبيب حتى أمر بعملية أخرى ، وأمر لي بكمية من الدواء بأثمان باهظة التكاليف لا يستطيع  من كان مثلي ان يسددها ، أنهيت المبلغ الذي وضعته شقيقتي تحت تصرفي حين باعت منزلها ، وأخذت أواظب على نوعين من الإبر ، النوع الأول يومي ، والنوع الثاني شهري ، وفي كل شهر يفحصني الطبيب ، ثم يعلن بأسف شديد انني لم اعد قادرة على التحسن على الرغم من الدواء الكيماوي الذي يمدني به ، وأنا أحاول ان ارسم ابتسامة طويلة ،، على وجهي  ،، وان أجيب على أسئلتهم التي يكررونها على مسامعي عن إحساسي بالتحسن ، إنني أتحسن باستمرار ، وان كل يوم يمر أفضل من سابقه ، أحاول بإجاباتي ان أبدد القلق الي أراه ، مهيمنا على نفوس المحيطين ،،، الطيبين ،، الذين المتهم حالتي وظلوا بجانبي يشدون من أزري ويمنحونني حبا ودفئا حرمت من فيئهما طيلة عهود النظام الدكتاتوري الظالم ، وما ان انهار النظام وحلمنا انه يمكن ان تبتسم لنا الحياة ، وإذا بنا نكتشف ان الأسلحة الفتاكة التي استعملها النظام  ،،، ثم جربت أمريكا الأنواع العديدة منها ، جعلت منا مرضى ، مصابين ،، بأنواع شتى من الأمراض لم تعرفها أي بقعة من الأرض

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com