مقالات

لا تستغرب .. بين الديكتاتورية والديمقراطية عهد الفوضوية

كوثر الكفيشي

kawtharamer@yahoo.com

ما ينطبق علينا نحن العراقيون اليوم مقولة الله عزوجل في كتابه الكريم (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا) فالمطلع على واقعنا العراقي لا تتعالى منه سوى الآهات المعجونة بالألم القاتل وقد يتساءل الجميع الآن ..أما آن لنا أن نستريح؟ ..أما آن لنا أن نشم رائحة الديمقراطية؟...أما آن لنا أن نكون في مصاف دول الخليج من التطور والرفاهية؟

هذه هي أسئلة يبحث الجميع عن أجوبة شافية لها غير مدركين بأن عهد الديمقراطية لم يأن أوانه بعد وما زال الدرب أمامنا طويلا لنصل إلى شعلة الحرية. قد يستغرب الكثير غير أن المطلع على سنن التاريخ سيصطف إلى جانبي وسيؤيد كلامي وسيجد معي في كلام ابن خلدون ذلك العالم الإجتماعي الفذ الذي يسعى في مقدمته لاكتشاف قوانين النمو التاريخي داخلا من باب الأسباب على العموم إلى الأخبار على الخصوص مستوعبا أخبار الخليقة استيعابا ومعطيا لحوادث الدول عللا وأسبابا والذي في عبارة مختصرة (الظلم مؤذن بخراب العمران).

ولا يخفى على أي واحد منا واقعنا العراقي في صفحته الماضية وما سطر فيها من مآسي وآلام وظلم ولكن تلك الصفحة التي يظن الكثير منا قد طويت إلى غير رجعة لم تنطوي بعد، فلا تحسبوا يا أعزائي بأن الظلم إنما هو أخذ المال والملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب بل الظلم أعم من ذلك، الظلم هو سلسلة متصلة غير منتهية إن لم نقطعها نحن بيد ضاربة لن تنقطع أبدا وسوف لن تنطوي صفحة ظلمنا هذه أبدا.

فلو نظرنا نظرة الحكيم المدقق لواقعنا العراقي لوجدنا أنفسنا ظالمين، فالأب ظالم لزوجته وأسرته والأخ لاخته والأم لاطفالها والمعلم لتلاميذه ولو قدر لأي واحد منا ما قدر لطاغية عصرنا لأصبح صداما آخر! فيا ترى ما الحل؟ هل سنبقى في بوتقة الظلم ولن نخرج منه أبدا إلا أن يشاء الله لنا مخرجا وبأمر منه؟

كلا... القول المشهور يقول: (لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فكيف نغير ما بناه الطاغية من عقول خلال خمسا وثلاثين عاما بعدة أعوام قصيرة لا تتعدى أصابع الكف الواحد؟

بالصبر.. والتربية الصالحة للجيل القادم... وتربية أنفسنا ومجاهدتها للخير والإبتعاد عن الظلم هي الوسيلة الوحيدة لطوي تلك الصفحة السوداء وأبلغ شاهد على كلامي هذا هو حكمة التيه الذي وقع على بني إسرائيل وكان المقصود بالأربعين عاما فناء الجيل من الأحياء ونشأة جيل آخر لم يعهدوا الذل ولا عرفوه.

نعم يا أعزائي... نعم يا أبناء العراق نحن بحاجة إلى تربية جيلنا القادم تربية لا تستمرئ الذل ولا تهواه ولا تخفض جناحها له فصدق ابن خلدون عندما قال: (واعلموا يا بني قومي بأن للدولة أطوارا) ونحن قد طوينا الطور الأول منه الذي اقتضى الظفر بالمستبدين السابقين وانتزاع الملك من أيديهم وذلك كما عرفنا لم يكن بالأمر الهين وحان الآن الطور الثاني هو طور التضحية والعطاء لتنظيف الواقع من مآسي الماضي ليحين بعده طور البناء للبنة الحديثة للمجتمع ألا وهو الجيل الصاعد منه.

ولو نعود الآن إلى شعاب التاريخ وخلجانه وتصفحنا وقائعه لوجدنا أن الشعوب التي أرادت التخلص من الديكتاتورية والسير في طريق الديمقراطية مرت بالكثير والكثير من الآلام والصعاب فها هي الثورة الفرنسية خير شاهد لنا فعندما أراد الفرنسيون القضاء على الديكتاتورية مروا بعهد النابليونية فصدق القائل عندما قال (بين الملكية والجمهورية عهد النابليونية) ألا وهو عهد الفوضوية وعهد التوسع والإنكماش وعهد بناء الذات وعهد نمو العلم وغزو التطور للبلاد مما هيأ الوضع لقيام عهد الجمهورية فسميت جمهوريتهم بالجمهورية الحمراء.

وإذا أردنا أن نتعمق بالشواهد سنجد الإمبراطورية الأمريكية التي تصول وتجول اليوم العالم من دون أي رادع فيا ترى كيف استطاعت أن تصل إلى حريتها وتتخلص من العهد الإنكليزي الملكي المستبد، لم يتخلصوا منها إلا بالصبر والسير في الطرق الضيقة المملوءة بالفوضوية نحو الديمقراطية فكانت حربهم ضد الملك جورج الثالث لتليها بعدها الحرب الأهلية والفوضى العارمة التي اجتاحت البلاد والتي لم تهدأ إلا قبل عهدنا هذا بقليل.

إذا يا عزيزي العراقي اصبر واعلم بأن الله مع الصابرين وسر نحو الأمام بخطى واثقة وشمر عن ساعديك لبناء اللبنة الأساسية في المجتمع ألا وهو جيلنا القادم ولا تستغرب من واقعنا هذا واعلم بأن بين الديكتاتورية والديمقراطية هو عهد الفوضوية.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com