مقالات

احتفالية الموتى

سعد الركابي

rikabisumar@yahoo.com

مهرجان الجواهري في دار السلام ....أما المتنبي فقريب جدا من قبره ....وفي ارض سومر مهرجان للحبوبي....ماذا ابقيتم للاحياء ؟

قد تتحفنا تلك التذكرات المتاخرة بالراحلين من المبدعين ببعض التفاؤل لان بؤساء اليوم قد يجدون  من يتذكرهم شريطة ان يكونوا من الموتى الذين لم يموتوا على فراش وثير ولم يسعفهم الدهر بالتقاط الانفاس...فماتوا غرباء متعبين مبعدين عن الراحة وصوامعها.

شرعة الثناء على المبدعين لانهم موتى يقود نا الى  التساؤل عن جدوى الأعتراف المتاخر بهم وهل ان المقصود به دفع القلة القليلة الباقية على الجنوح نحو شاطيء الانقراض كسبيل اوحد للوجود على الواح الابداع المعترف بها من قبل السلطة ؟

أليس من السخرية ان نقيم عرسا لرجل سيضاجع  القبر بدلا عن العروس ؟

اعرف انهم سيتحدثون عن تولستوي ونيتشه و همنغواي وشارلز ديكنز ....القائمة لن تتوقف .. . وسيقولون انهم بين منتحر وبين بائس وان الابداع لن يكون الا وليدا للظلم الكوني...

يالها من نظرية سخيفة تلك التي تشترط ان نجوع لنكون مبدعين وان ننتحر لنكون مشهورين وان نتحول الى ذرات في عالم العدم قبل ان يقرع ناقوس الشهرة  فيطالع المعجبون نتاجنا الابداعي الذي قد يدرس في المعاهد والجامعات.

الظروف التي تحاصر مبدعينا لاتوجد في مكان اخر تحت الشمس ما عندنا هو حصار  جماعي  وتطويق لافت للظاهرة الابداعية من قبل الكل وفي مقدمتهم مؤسسات الدولة التي كان من المفترض بها ان تنتشل  المبدع والمثقف من محنته. الجريمة المزدوجة للمجتمع والدولة بحق  الابداع لازالت تحطم المزيد من النوافذ الابداعية داخل اسوار الوطن. ربما سمعنا عن مشاريع هنا وتناقلت الروايات عن اخرى هناك وفاحت روائح الطبخات التآمرية والاستأثارية من كثير من اقبية صناع القرار ..ولكن حسن الظن الذي يغلب دائما يقول  انها مجرد اشاعات وافتراءات وان الدنيا بخير وان الدولة مهتمة بالمبدعين ولكنها الان مشغولة بما هو اهم منهم بالتاكيد وان عليهم ان يصبروا  لان الدنيا ما طارت فهناك حتما فرج ...وهناك دوما احتفال حتى ولو كان بعد الموت.

كل محاولات التعويض والانتشال كانت ضعيفة وغير مجدية  لانها  فردية ومشتتة  ومتفرقة تحتاج الى تدعيم وتقويم هائلين اذا اريد لها فعلا الخروج صحيحة من رحم الركام .. أما التوجه الحكومي للارتقاء بالمؤسسات التي قد تاخذ بيد المثقف لانتشاله من خانة الاهمال فهو خجول وغير منصف ابدا ومن الاصلح ان  يوصف بانه  غير موجود .عدا طبعا عن بعض الظواهر الموسمية التي ينظر اليها بتفاؤل كبير وفي مقدمتها  المهرجانات التي لم تكتفي بان جعلت من غير الاحياء عناوين لها بل وساهمت في خلق حالة من التذرع بها كمنجز من قبل القائمين عليها وشكلت الدرع التي تمترست خلفها المؤسسات الراعية للابداع للجم الالسن المطالبة بالاصلاح.

الاصلاح المنشود ياتي من حقيقة ان من يشاركون  في تلك المهرجانات ويبرزون عن جوانبهم الابداعية لايمكنهم ان يستمروا في العطاء الى الابد بهذه الصورة القبيحة من النكران والاهمال...ولو فرضنا جدلا انهم استمروا لفقدان البديل  فهل سيكون بأ مكانهم الخلود ؟

وهل يمكن الاستغناء عن استيلاد الدماء الجديدة لضخها  في عروق الابداع بكل اشكاله

والوانه واتباع نظام خرافي من الاكتفاء بما هو موجود الى الابد؟

الفعاليات الثقافية والابداعية المتنوعة  ومنها المهرجانات هي مظاهر أبداعية عامة تكشف عن وجود منظومة متكاملة من المؤسسات التخصصية والمساعدة التي تعمل على جعل الحركة الابداعية في شكل دورة لا تتوقف عند جيل ما  ليكون العطاء منسابا الى ما لانهاية .أما الاكتفاء بالترنم والزهو على انغام التظاهرات الابداعية تلك باعتبارها الدليل الاوحد على التالق والارتقاء  فيشبه التباهي بوجود قلب نابض  في جسد عليل . القلب النابض لايكفي وحده ابدا للاستمرار وضخ المزيد من الدماء الى اجزاء البدن الميت ستكون محصلته النهائية الموت ...فاذا كانت الدولة ومؤسساتها المعنية بالشان الابداعي جادة في اهلاك المبدع العراقي فان الاجدى بها ان تطلق عليه رصاصة الرحمة لترحمه من عذابات احتضاره....المهرجانات جميلة مثمرة وناجحة ولكنها تظل مشروطة  بجملة من الاجراءات الشاملة  التي تقترن بمنظومة مؤسساتية ترعى الابداع وتكفل  ان يكون بأمكان أبنائنا  أن يسهموا في مهرجانات لا تتسع لها أسماء المبدعين من الموتى ....بل ستكون اسمائها مشتقة من المشاركين الذين قد نحسدهم  لانهم لم يجربوا بؤسنا ونحن نشارك في احتفاليات الموتى.

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com